الثلاثاء، 10 يوليو 2012

السُم الذي قتل الزعيم الفلسطيني



شاهد الجميع التحقيق التلفزيوني المميز الذي أعدته قناة الجزيرة الإخبارية حول الأداة المستخدمة لاغتيال ياسر عرفات، والتي هي عبارة عن مادة ملوثة وسامة للإنسان ومشعة جداً في الوقت نفسه تُعرف بعنصر البولونيوم، فكمية صغيرة منها تبلغ جراماً واحداً فقط لها القدرة على تسميم قرابة 20 مليون إنسان، وقتل 10 ملايين منهم.

وليست هذه هي المرة الأولى التي تستخدم فيها هذه المادة للاغتيال، فقد استعملت من قبل في القضاء على العميل والجاسوس الروسي السابق ألكسندر ليفينينكو الذي كان يعمل لحساب المخابرات الروسية الـ كي جي بي، وقضى نحبه متأثراً بهذا الملوث المشع في مستشفى الكلية الجامعية في العاصمة البريطانية لندن في 23 نوفمبر 2006.

ولكن هذا العنصر المشع الذي يستخدم كأداة فاعلة لتصفية الناس وقتلهم بشكلٍ فوري ومباشر، هو نفسه يقتلنا جميعاً، ولكن بصمتٍ وسكوتٍ شديدين دون أن تُحدث هذه الضجة الإعلامية الواسعة التي سمعنا عنها في حالة القائد ياسر عرفات أو العميل الروسي المنشق.

فهذا العنصر نتعرض له يومياً شئنا أم أبينا، ونستنشقه بين الحين والآخر، وهو يميتنا موتة بطيئة وبإرادتنا ومعرفتنا، فهذا العنصر الخطير الذي يهدد حياتنا ينبعث عند تدخين السجائر أو الشيشة أو غيرهما من المنتجات التي تحتوي على التبغ.

وهذه الحقيقة التي نعرفها اليوم كانت سرية قبل سنوات، حيث إن شركات التبغ والسجائر الأمريكية كانت تعلم بخطورة مُنتجها على صحة المدخن بشكلٍ خاص، والصحة العامة بشكلٍ عام منذ عام 1959، فقد كانت تعلم بأن التبغ الذي يوضع في السجائر يحتوي على مادة مشعة، وأن الملوثات التي تنتج عن دخان السجائر تحتوي أيضاً على هذه المادة المشعة.

ففي الخمسينيات من القرن المنصرم أجرت شركات التبغ دراسات وأبحاث حول مكونات أوراق التبغ، وكشفت دراساتهم إلى أن نبات التبغ يحتوي على بعض المواد الخطرة، وبالتحديد عنصر البولونيوم المُشع، حيث إن أوراق نبات التبغ تمتص هذا العنصر المشع والسام من التربة ومن مياه الري، فتتراكم في أوراقه مع الزمن. 

وبالرغم من هذا الاكتشاف ومعرفتهم به، إلا أنهم وضعوا الشمع الأحمر على نتائج هذه الدراسات والوثائق التي أكدت على ذلك، وكتبوا عليها “سرية للغاية”، وادخلوها في أعماق أدراجهم وأرشيفهم السري الخاص بهم، وامتنعوا عن إزالة هذا السُم المشع من أوراق التبغ من أجل خفض تكاليف إنتاج السجائر وزيادة متعة المدخن وإصابته بالإدمان مع الزمن.

فلم تفكر هذه الشركات الجشعة التي لا أخلاق ومبادئ لها سوى جمع المال وكنزه في البنوك، ولم تكترث، أو تشعر بالذنب لمقتل ومرض الملايين من البشر في أمريكا وفي باقي دول العالم.

وقد ظهرت هذه الحقيقة المدفونة على يد باحثٍ أمريكي، حيث قام بالتفتيش في الوثائق السرية القديمة لشركات التبغ بعد أن حصل على الرخصة القانونية للإطلاع عليها، واكتشف أن شركات التبغ كانت تعلم أن السجائر التي تصنعها من أوراق التبغ تحتوي على عنصر البولونيوم، وأن هذا السم يتعرض له المدخن وغير المدخن عندما ينبعث من دخان السجائر،  حيث قام بنشر اكتشافه في 27 سبتمبر 2011 في مجلة تصدر من جامعة أكسفورد البريطانية هي أبحاث النيكوتين والتبغ، تحت عنوان:“الإشعاع في دخان السجائر وخطورة الإصابة بسرطان الرئة”.

فكما أن قضية قتل ياسر عرفات حظت بهذه التغطية الإعلامية الكبيرة، فإن القتل البطيء لملايين الناس وإصابتهم بالأمراض المستعصية بسبب التدخين يجب أن يكون في مقدمة أولويات وسائل الإعلام والبرامج الحكومية الوقائية المتعلقة بالصحة العامة، ويجب أن تكون هذه القضية دافعاً لنا لمنع التدخين كلياً، أو في الأقل السماح له في حدود ضيقة لا تؤثر على الصحة العامة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق