الجمعة، 20 يوليو 2012

القضية البيئية تتحول إلى أمنية مع الوقت


من خلال دراساتي ومتابعاتي الحثيثة للشأن البيئي منذ أكثر من ثلاثين عاماً تأكد لدي بأن المشكلة، أو القضية البيئية لا تبقى على الدوام قضية بيئية بحتة، وإنما تتحول مع الوقت، إذا تم تجاهلها وإهمالها وعدم إيجاد حلول جذرية لها، إلى قضية أمنية وسياسية قد تؤدي إلى زعزعة الاستقرار وإسقاط الحكومات. 

وهذه الظاهرة المستجدة أُطلق عليها بـ “دورة المشكلة البيئية”. فالمشكلة البيئية يكتشفها أولاً العلماء والباحثون من خلال الدراسات الميدانية وأخذ العينات من الأوساط البيئية المختلفة كالهواء والماء والتربة ومن الكائنات الحية النباتية والحيوانية، ثم تحليلها في المختبر لمعرفة نوعية وكمية الملوثات الموجودة في هذه العينات، فإذا كانت مستويات الملوثات مرتفعة يجب عندئذٍ تقديم تفسير علمي لمصدر هذه الملوثات وتأثيرها على البيئة والكائنات الحية، والإنسان بشكلٍ خاص.

وإذا استمر هذا الوضع، وانكشف على شكل ظاهرة مشهودة للناس، مثل ظاهرة تحول البحر إلى اللون الأحمر أو الأخضر، أو ظاهرة تحول السماء إلى اللون البني والأصفر، أو ظاهرة الثقب في طبقة الأوزون، أو ظاهرة الموت الجماعي للأسماك، أو إصابة الناس بمرضٍ غريب مزمن، أو ما إلى ذلك من الظواهر التي تبين مرض البيئة وشكواها من علةٍ معينة، فعند ذلك تلتقطها وسائل الإعلام وتحقق فيها، فتتحول إلى قضية عامة يعرفها كافة الناس في المجتمع، ويبدؤون في تداولها والحديث عنها.

وفي هذه المرحلة من القضية البيئية، إذا سكتت الحكومة وتجاهلت الظاهرة البيئية المشهودة، ولم تبد تجاوباً جاداً لعلاج المشكلة من جذورها، فإن القضية تتحول إلى مرحلةٍ جديدة هي استياء الناس وإبداء ضجرهم وقلقهم في الوقت نفسه من استمرار المشكلة، وتبدأ المرحلة السياسية من القضية من خلال تبني المجالس التشريعية للقضية ومن خلال قيام الناس باعتصامات ومظاهرات سلمية لحل المشكلة البيئية المتفاقمة.

وإذا لم ير الناس أمام أعينهم حلولاً ناجعة وملموسة لهذه المشكلة البيئية، فستتحول إلى مظاهرات تأخذ طابع العنف والقوة، فتصبح قضية أمنية لا تحمد عقباها، وقد تتوسع دائرة هذه الاحتجاجات والمظاهرات إذا كانت هناك مشاكل بيئية أخرى معلقة منذ سنوات، إضافة إلى مشاكل اجتماعية واقتصادية أخرى قد تكون موجودة أصلاً ويعاني منها الناس.

وهناك أمثلة ووقائع كثيرة أستطيع أن أقدمها لأثبت هذه الحقيقة، آخرها الوضع البيئي المتدهور في الصين، وسكوت الناس عليه سنوات طويلة إلى أن طفح الكيل وبلغ السيل الزبى ووصل إلى درجة عميقة ومؤثرة على صحة البيئة والناس فلا يمكن غض الطرف عنه، مهما كانت ردة فعل السلطات الحكومية ضد الناس.

فمن المعروف سياسة الحكومة الصينية الصارمة تجاه المظاهرات والاعتصامات الشعبية مهما كان سببها، فهي لا تحبذ مثل هذه التحركات من الناس، وبالرغم من هذا الموقف الحكومي إلا أن الناس في مدينة شيفانج بمقاطعة شيوان خرجوا في 6 يوليو من العام الجاري متظاهرين لأسباب بيئية وصحية بحتة أمام مبنى حكومي يقوم بالتوقيع مع شركة خاصة لإنشاء مصهر للرصاص في مدينتهم، غير مبالين بذلك رفض الناس من بناء هذا المصنع المُلوث للبيئة.  

وعند عدم استجابة الحكومة لمطالب الناس، ثار غضبهم، وقاموا بتحدي رجال الشرطة واستخدام وسائل العنف من خلال قذف المباني الحكومية والمسئولين بالحصى والتعدي عليهم، مما اضطر شرطة مكافحة الشغب للتدخل لتفريق المتظاهرين باستخدام مسيل الدموع والهراوات، فجُرح أكثر من 13 متظاهراً واعتقل العشرات منهم.

واستمرت الاحتجاجات العنيفة عدة أيام حتى استجابت السلطات الحكومية لطلبات الناس وأوقفت مشروع إنشاء المصنع.

ولذلك فإنني أحذر وأنبه إلى ضرورة الاهتمام بالبيئة، ووأْد أية مشكلة بيئية وهي في مهدها قبل أن تستفحل وتتفاقم فتتحول إلى قضية سياسية وأمنية لا ندري إلى أين تنتهي. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق