الثلاثاء، 10 يوليو 2012

خمسون عاماً من الحوار



الـ د ي دي تي، الاسم اللامع والمشهور في عالم المبيدات، والمبيد الذي أنقذ حياة الملايين من البشر من الموت المحتوم. هذا المبيد منذ استعماله قبل زهاء خمسين عاماً مازال تحت المجهر من العلماء والسياسيين، ومازال الجدل والحوار حول استعماله مستمراً.

ففي عام 1939 تم اكتشاف فاعلية هذا المبيد المعجز ودوره في القضاء كلياً على الحشرات والقوارض في المزارع والحقول والمنازل والتي كانت السبب في وقوع الأوبئة التي ضربت البشرية سنوات طويلة وأودت بحياة مئات الملايين من البشر.

ولذلك مع هذا الاكتشاف المثير، استخدم الإنسان هذا المبيد في شتى مناحي الحياة وبطريقة هستيرية في كل مكان، في الحدائق، والمزارع، والمكاتب، والمنازل، وبأحجام كبيرةٍ جداً، دون التفكير والنظر في كيفية تصرف هذا المبيد عند دخوله في مكونات البيئة الحية وغير الحية وعند تعرض الإنسان له بشكلٍ مباشر أو غير مباشر. فالفوائد والايجابيات التي جناها الإنسان وانعكست على صحته أعمته من التدقيق في هوية هذا المبيد وخصائصه الكيميائية والفيزيائية والبيولوجية.

واستمر الإنسان في كل أنحاء العالم في الاستعمال المفرط وغير المتبصر لهذا المبيد، حتى تم نشر سلسلة مقالات في مجلة النيويوركر في يونيو 1962، والذي خرج في سبتمبر من ذلك العام على هيئة كتاب تحت عنوان “الربيع الصامت” للعالمة الأمريكية ريشيل كارسون، فبدأ من ذلك التاريخ الحوار والجدل حول استخدام هذا المبيد بشكلٍ خاص والمبيدات العضوية المصطنعة بشكلٍ عام.

فقد أكد هذا الكتاب على أن هذه المبيدات التي يتم تسويقها على أنها المنقذة للبشرية من الأمراض، هي أيضاً في الوقت نفسه تسبب أمراضاً جديدة أخرى للإنسان والحياة الفطرية، فهي عند رشها يتعرض لها الإنسان بشكلٍ مباشر، أو أنها تنتقل من مكونات البيئة الحية وغير الحية فتصل في نهاية المطاف إلى الإنسان وتتراكم في أعضاء جسمه فيصاب بالأمراض أو الموت المباشر.

ولكن هذه الحقائق لم تعجب الشركات والمؤسسات التي تربح الملايين من صناعة وتسويق هذه المبيدات، فاحتجت على الكتاب واعتبرته قصص وأقاويل من مخيلة الكاتبة، كما يفعل حتى الآن منتجو السجائر المسرطنة.

وبعد سنوات من النقاش العلمي والجدل السياسي، تم حظر استخدامه في عام 1972، ولكن فقط في التطبيقات الزراعية، فمازال يستخدم في التطبيقات المنزلية، فالشركات الصناعية أقنعت المجتمع الدولي بأنه لا بديل فاعل حتى الآن للمبيد المعجزة الـ د ي دي تي.

ولذلك فإن باب الحوار لم يغلق بعد، فالجدل محتدم وسيستمر طويلاً حول الـ د ي دي تي.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق