الأربعاء، 15 أغسطس 2012

450 مليون دولار لتصفية العميل البرتقالي



ما أن انتهيتُ من كتابة ونشر مقالي في صحيفة أخبار الخليج تحت عنوان العميل البرتقالي يلاحق أمريكا، وإذا بوسائل الإعلامية المقروءة والمرئية والمسموعة على المستويين الأمريكي والدولي، تنشر خبراً يُسند ويدعم تحليلاتي التي ذكرتها في المقال.    

فقد أَكدتُ في مقالي أن المبيد القاتل الذي صنعته الشركات الأمريكية بأيديها في مطلع الستينيات والذي هو مُنتج أمريكي خالص لم يصنعه أحد لا من قبل ولا من بعد، وعليه ختم صُنع في أمريكاوأُطلق عليه بالعميل البرتقالي واستخدم لضرب المحاربين الفيتناميين وكشف ملاجئهم ومخابئهم أثناء مقاومتهم للاستعمار الأمريكي، هو نفسه يعود إلى أمريكا ليضرب جنودها ومصالحها الاقتصادية بعد قرابة 50 عاماً. وهذه الضربات المتلاحقة للحكومة الأمريكية لن تنته بانتهاء استخدام العميل البرتقالي بعد الحرب، فهو عميل مُخلد لا يموت، ولا يمكن تصفيته والقضاء عليه مهما فعلت أمريكا، وسيظل يضرب أمريكا إلى ما شاء الله، ويلاحقهم في يقظتهم ومنامهم وأحلامهم.

وتأتي هذه الضربات على جبهتين. الأولى هي الجبهة الصحية، وتتمثل في إصابة الملايين من الجنود الأمريكيين بمرضٍ عضال ومزمن مثل السرطان وأمراض غريبة أخرى وتشوهات وإعاقات جسمية لم تُعرف من قبل ليس على الجندي نفسه فحسب وإنما على أبنائه وأحفاده إلى حدٍ سواء، ولهذه الحالات المرضية الجسيمة انعكاسات اقتصادية عظيمة تُهدد بيت المال الأمريكي المريض من حيث تكاليف العلاج الباهظة لهؤلاء الجنود المتضررين.

أما الجبهة الثانية فهي قضائية وتتمثل في آلاف القضايا المرفوعة ضد الحكومة الأمريكية من الجنود الأمريكيين الذين تعرضوا للعميل البرتقالي أثناء الحرب، ومن سكان جزيرة أوكيناوا اليابانية التي اُستخدمت غاباتها وأدغالها من قبل الأمريكيين كحقل تجارب للعميل البرتقالي قبل استعماله في فيتنام للتأكد من فاعليته القاتلة والمدمرة للغابات والأعشاب، ثم استخدمت بعد ذلك لدفن وتخزين قرابة 25 ألف من براميل العميل البرتقالي في أراضيها، وأخيراً تنهال القضايا على الحكومة الأمريكية من الشعب الفيتنامي الذي تعرضت أجسامهم لهذا السم القاتل وتدمرت بيئاتهم من ماءٍ وهواء وتربة عند رش زهاء عشرين مليون جالون من هذا المبيد ولمدة عشر سنوات على جنوب فيتنام وكمبوديا، حيث قَدَّرت التقارير العلمية أن هناك ثلاثة ملايين فيتنامي قد تعرضوا للعميل البرتقالي وهناك أكثر 150 ألف طفل ولدوا مشوهين خَلقياً، ولكل هذه القضايا ضد الحكومة الأمريكية مردودات اقتصادية ستكسر كاهل الحكومة الأمريكية التي ترهقها أصلاً ديونها المتراكمة.

فالخبر الذي تَنَاولته وسائل الإعلام الرئيسة يصب في هذا الجانب. فقد نشرت النيويورك تايمس مقالاً في 9 أغسطس عنوانه أربعة عقود وأمريكا تبدأ بتنظيف العميل البرتقالي من فيتنام، كما نشرت صحيفة (The Christian Science Monitor) تقريراً تحت عنوان “تنظيف العميل البرتقالي الأمريكي يقدم نموذجاً”، كذلك أوردت قناة سي إن إن الإخبارية خبراً في 10 أغسطس عنوانه “أمريكا تقوم بأول عملية تنظيف للعميل البرتقالي في فيتنام”. وفي الجانب الآخر من المحيط نشرت صحيفة الإندبندنت البريطانية مقالاً في 12 أغسطس تحت عنوان “الإرث المرعب للعميل البرتقالي: بعد 40 عاماً من انتهاء الحرب، تبدأ واشنطن بتنظيف المناطق الأشد تأثراً في فيتنام”. 

وتؤكد هذه التقارير الإعلامية أن أمريكا امتنعت لعقود طويلة من الاعتراف بذنبها من استخدام العميل البرتقالي ومن الأمراض المستعصية التي صاحبت استعماله، كما إنها تنصلت عن مسؤوليتها الأخلاقية تجاه الشعب الفيتنامي وتجاه البيئة الفيتنامية وحياتها الفطرية في الغابات، خوفاً من تكاليف هذا الاعتراف الاقتصادية، ولكن القضايا التي رُفعت ضدها في محاكم أمريكا، واليابان، وفيتنام، هي التي أركعت أمريكا للاعتراف ببعض ذنوبها وتحمل جزءٍ يسير مما ارتكبتها أيديهم الآثمة أثناء الحرب، وهذه هي بداية المشوار، وستأتي قضايا أخرى كثيرة سنشهدها في القريب العاجل، ولا أدري كيف ستتمكن الحكومة الأمريكية من دفع فواتير هذه القضايا الثقيلة؟  



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق