الثلاثاء، 21 أغسطس 2012

الهاتف النقال يَطْرق أبواب الكونجرس الأمريكي



لم تعد قضية الهواتف النقالة وانعكاساتها الصحية تُناقش فقط في أروقة المؤتمرات العلمية، أو تبحث في مراكز الدراسات والبحوث، أو تهتم بها المنظمات والجمعيات الصحية، وإنما ولجت الآن بقوة في أعلى سلم الهرم التشريعي والسياسي في الولايات المتحدة الأمريكية، بل وإن بعض رجال الكونجرس، وبالتحديد النائب الجمهوري عن ولاية أوهايو دينس كوسينيش(Dennis J. Kucinich) أخذ على عاتقه التصدي للجانب الصحي لاستخدام الهواتف النقالة وسن التشريعات المناسبة لمنع أي تأثيرات صحية قد يتعرض لها الإنسان ووقايته من الأسقام التي قد تصيبه في المستقبل.

وقد جاء هذا الاهتمام من الكونجرس استجابة للضغوط المستمرة من عدة جهات، منها الجمعيات الأمريكية والمنظمات الدولية المهتمة بأبعاد استعمال الهواتف النقالة على الصحة العامة، وبخاصة صحة الأطفال، كمنظمة الصحة العالمية، حيث قرر الفريق العلمي المنبثق من الوكالة الدولية لأبحاث السرطان(International Agency for Research on Cancer (IARC)) التابع لمنظمة الصحة العالمية في 31 مايو 2011، بعد أن قام بحصرٍ شامل وتحليلٍ دقيق للأبحاث المنشورة في مجال الانعكاسات الصحية المحتملة للتعرض للأشعة المنبعثة من الهاتف النقال، بأن هناك بعض الأدلة التي تشير إلى أن هناك علاقة بين الاستخدام المُسرف وغير العادي للهاتف النقال واحتمال ظهور نوعين من الأورام النادرة في المخ، منها ورم سرطاني يعرف بالجليوما (glioma)، والثاني ورم غير سرطاني يُطلق عليه بأكوستيك نيوروماس( acoustic neuromas)، واستناداً إلى هذه النتائج تم تصنيف الهاتف النقال كجهاز من “المحتمل أن يصيب الإنسان بالسرطان”، أو ما يُعرف بمجموعة الصنف ب 2.

كما جاء اهتمام الكونجرس بالهاتف النقال تجاوباً مع تقريرٍ رسمي صَدر من المكتب الحكومي للمحاسبة(Government Accountability Office)، والذي أكد فيه أن الأنظمة الموضوعة من قبل الهيئة الاتحادية للاتصالات(Federal Communications Commission) وهي قانون الاتصالات في 7 أغسطس 1996، قد أكل عليه الدهر وشرب، حيث إن عدد المستخدمين للهاتف في ذلك الوقت كان محدوداً جداً وليس من بينهم الأطفال مقارنة بالبلايين من البشر الذين يستخدمونه في كل ساعة، كما أن القانون لا يتماشى حالياً مع المستجدات العلمية ونتائج الأبحاث حول مخاطر استخدام الهواتف النقالة، ولذلك أوصى هذا المكتب الحكومي بضرورة مراجعة هذه الأنظمة والتشريعات الخاصة بالهواتف.

 وفي الحقيقة أن بعض الولايات الأمريكية لم تنتظر تشريعات الكونجرس، والتي عادة تستغرق سنوات طويلة من الجدل العقيم بين الجمهوريين والديمقراطيين ويدخل فيها على الخط جماعات الضغط وشركات التمويل والتسويق والتصنيع المُعارضة لوضع أية أنظمة حول الهواتف النقالة، فقد سبقت هذه الولايات الكونجرس في اتخاذ إجراءات قانونية ونظامية وقائية لتقنين استخدام الهواتف النقالة وتوعية جمهور الناس بمخاطرها وبنسبة الأشعة التي يتعرضون لها بشكلٍ مباشر من الاستخدام اليومي لها.

فعلى سبيل المثال، سَنَّت كل من ولاية كاليفورنيا، وولاية مين(Maine)، وأوريجن(Oregon)، تشريعاً أَلزمتْ فيه الشركات المصنعة والمنتجة للهواتف إلى وضع علامات تحذيرية واضحة يُكتب عليها ما يُعرف بـ“نسبة الامتصاص”( Specific Absorption Rate—SAR)، أي نسبة الإشعاع الذي ينبعث من الهاتف النقال فيمتصه الجسم وينفذ إلى داخل أعضاء الإنسان.

فالنقطة المهمة التي أرغب في التأكيد عليها ويجب أن لا نغفل عنها عند دراسة آثار الهاتف النقال على الصحة، هي أننا لا نتعرض في اليوم والليلة على مدى العام كله للإشعاعات التي تنطلق من الهواتف النقالة فحسب، وإنما نعيش الآن في ظلماتٍ في بحرٍ لُجِّي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب، ظلماتٌ بعضها فوق بعض من الأمواج المتلاطمة التي نتعرض لها في كل ثانية على مدى السنة كلها، فهناك الإشعاعات من شبكات الواي فاي(Wi-fi) أو الانترنت اللاسلكي، وأبراج الهواتف النقالة، وهناك الأمواج التي تنبعث من أجهزة الميكروويف المنزلية، والهواتف المنزلية اللاسلكية، والكمبيوتر، والتلفزيون، إضافة إلى الأمواج التي تنطلق من الأقمار الصناعية ومن المصادر الأخرى العسكرية غير المعروفة، فكل هذه الأمواج التي تعصف بأجسادنا دون أن نحس بها، أو أن نشعر بوجودها، يجب أن تؤخذ في الاعتبار عند دراسة الجوانب الصحية لهذه الإشعاعات، فالتأثير سيكون تراكمياً ومجموعياً وستظهر آثاره بعد فترة من الزمن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق