السبت، 4 أغسطس 2012

أشجار القرم مسألة حياة أو موت



نحن في البحرين قضينا كلياً على أشجار القرم، وقُمنا بعملية إبادةٍ جماعية لجميع مستعمراتها، وبالتحديد تلك التي كانت موجودة في خليج توبلي، فلم نُقدر قيمتها وأهميتها البيئية والاقتصادية والجمالية والسياحية.

ولكن في المقابل هناك دولاً تعيش على هذه الشجيرات، فهي بالنسبة لها مسألة بقاءٍ أو فناء، وحياةٍ أو موت. فعلى سبيل المثال، أشجار القرم المنتشرة في سواحل دول آسيا الشرقية، مثل الفلبين وفيتنام، أو دول أمريكا الجنوبية كالبرازيل، تعتبر الحاجر المنيع والسد القوي الذي يمنع وصول العواصف والأعاصير البحرية والتيارات المائية القوية إلى القرى التي تعيش على السواحل، فهي خط الدفاع الأول الذي يحمي سكان القرى من هذه الكوارث الطبيعية. فالدراسات الميدانية تؤكد على أن هذه الأشجار لها القدرة على كسر قوة الأمواج العاتية وتهدئة طاقة التيارات البحرية بنسبة تصل إلى قرابة 75% عندما تمر عليها، فتجعلها أليفة فاقدة لقوتها عندما تصل في نهاية المطاف إلى بيوت الناس وممتلكاتهم الساحلية.

وفي الوقت نفسه فلهذه الشجيرات والنظام البيئي في منطقتها، فوائد اقتصادية وبيئية واجتماعية عظيمة لا تقدر بثمن، فهي البيئة الحميمة الهادئة التي تعيش عليها وتنمو في ربوعها صغار الأسماك والربيان، حيث إن الأسماك والربيان والقباقب والكائنات البحرية الأخرى تضع بيضها في هذه البيئات الساكنة والوديعة.

فهذه الدول عرفت القيمة الإنتاجية العالية لهذه الشجيرات وأيقنت أن استدامة حياتها مرتبطة بوجودها، فأصبحت تنميها وترعاها في المناطق الساحلية كحماية طبيعية للسكان، ومصدر رزقٍ وغذاء يقتاتون عليه.       



وفي الحقيقة فإن هذه الشجيرات الساحلية تُدخلنا في قضية عصرية هامة جداً تقع تحت عنوان:القيمة النقدية للموارد البيئية الحية وغير الحية وللأنظمة البيئية، وهذه تعني أننا يجب أن نُثَمِّن هذه الموارد الطبيعية، ونعتبرها سلعاً كالسلع الأخرى يتم التداول معها، فنُحدد مبلغاً مالياً نقدياً لكل منها، سواء أكانت أشجار القرم، أو الشعاب المرجانية، أو السواحل البحرية بشكلٍ عام، أو المناطق البرية والصحراوية، فلا يجوز أن نتعامل مع مكونات البيئية الحية وغير الحية بأنها سلع مجانية لا قيمة لها، وبالتالي لا ضير من بترها وهدمها والتأثير على نوعيتها.

وهناك دول أيقنت هذه الحقيقة وقامت بمحاولات علمية بتحديد مبلغٍ مالي لهذه الثروات الطبيعية، حيث أكدت هيئة حكومية بريطانية اسمها تقييم الأنظمة الطبيعية بأن البيئات الخضراء والغابات في بريطانيا تساوي 30 بليون جنيه إسترليني في السنة للاقتصاد. كما نشرت الأمم المتحدة تقريراً تحت عنوان: “اقتصاديات الأنظمة البيئية والتنوع الحيوي”، أكدت فيه على البعد الاقتصادي والبيئي لحماية ثرواتنا ومواردنا الطبيعية الحية وغير الحية، كما قام التقرير بوضع مبلغ نقدي للشعاب المرجانية للكرة الأرضية وهو نحو 110 مليارات جنيه سنوياً، لما تقدمه من خيرات سمكية يعيش عليها الإنسان، وتحمي السواحل من الأعاصير والفيضانات، وتجذب ملايين السياح.

وفي تقديري فإن هذه البيئات الطبيعية والكائنات التي تعيش عليها هي رأس المال البشري الحقيقي الذي لا ينضب ويتجدد عندما نقوم برعايتها وحمايتها، وبالتالي لا بد من تحديد قيمة نقدية لها عندما نعتزم إنشاء أي مشروع على هذه البيئات، سواء أكانت المناطق الساحلية، أو بيئات الشعاب المرجانية وأشجار القرم أو غيرها من البيئات الحيوية المُنتجة في البر والبحر، ثم بعد ذلك نقوم بحساب وتحليل التكاليف والأرباح من إقامة المشروع. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق