السبت، 2 مارس 2013

الصين وسياساتها التنموية المُتعثرة



الحوادث والمظاهر التي شهدتها الصين في السنوات والأيام الماضية بالتحديد، والمُتمثلة في نزول الضباب الكيميائي المُشحون بالملوثات القاتلة ولأكثر من ثلاثة أسابيع في يناير وفبراير من العام الجاري، تُشير إلى ظهور خللٍ واضح، وشرخٍ قوي في بِنية السياسة التنموية التي اتبعتها الصين، وتؤكد على أن نمط التنمية الذي سارت عليه طوال العقود الماضية يحتاج إلى تصحيحْ لكي يعطي أكله دائماً، ويستديم طويلاً.

فدول العالم جمعاء انبهرت بالنمو الاقتصادي المشهود الذي حققته الصين، حتى أن معدل النمو وصل في السنوات الماضية إلى قرابة 11%، ولكن بالرغم من هذه النسبة العالية لمعدلات النمو إلا أن الصين نفسها اليوم والشعب الصيني برمته يعانون من تبعات هذه التنمية العظيمة، وكأن هذه التنمية التي تُحسد عليها تحولت إلى وبالٍ ونقمة بدلاً من أن تكون خيراً ونعمة وثراء، وازدهاراً يعم الشعب كله.

فالتنمية الاقتصادية التي حققتها الصين مُهددة الآن بشللٍ أصاب عضواً من أعضائها، وقد ينتشر هذا الشلل الجزئي مع الوقت فيؤثر على باقي الأعضاء، ثم يُعدي الجسم كله. 

فهل يمكن لهذه التنمية أن تستمر بعد أن حَدَثَ شلل كلي لحركة الطيران في بعض المدن الرئيسة، وعلى رأسها العاصمة بكين، فتوقفت الطائرات من التحليق، وتعطلت كلياً مصالح الناس الاقتصادية والاجتماعية، فكم ستكون الخسائر المالية للشركات والأفراد والحكومة معاً ؟

وهل تستمر عملية التنمية عندما يُفرض على الناس المكوث في منازلهم وتجنب الخروج كلياً؟ فما هي الخسائر الاقتصادية التي تنجم عن توقف الإنتاجية وتوقف العمل في المؤسسات الخاصة والعامة؟

وهل تستمر عملية التنمية عندما تضطر المئات من المصانع وشركات البناء والتشييد إلى التوقف عن التشغيل؟ وكم ستكون خسائرها؟

وهل تستمر التنمية عندما تتوقف حركة المرور في الشوارع الرئيسة والسريعة وفي الطرقات؟ فترى الشاحنات والسيارات متكدسة لا تستطيع الحركة على مسافة تزيد عن مئات الكيلومترات بسبب التلوث وانعدام الرؤية؟

وهل تستمر التنمية عندما يضطر الملايين من البشر المُنتجين والعاملين من الدخول إلى المستشفيات للعلاج، ليس بسبب حالات طارئة فقط، وإنما نتيجة لإصابتهم بالأمراض المزمنة والقاتلة المستعصية عن العلاج؟ فكم ستكون خسائر الدولة من علاج الملايين الذي نزلت عليهم هذه الأمراض؟

وهل تستمر التنمية عندما نقرأ في تقرير البنك الدولي أن 16 مدينة من بين 20 مدينة من المدن الأشد تلوثاً في العالم موجودة في الصين؟

فكل هذه المظاهر والحوادث تقع بين الحين والآخر منذ عشرات السنين في الصين، فتشل حركة المدن وتسجن الناس في منازلهم ومكاتبهم، وتكبد خزائن الدولة مبالغ اقتصادية طائلة وتثقل كاهل الاقتصاد الصيني ، حيث قدَّر معهد ماساشوستس للتقنية الأمريكي الخسائر الاقتصادية في مجال الصحة وفَقَدْ الإنتاجية للعمال والمرتبط بالتلوث نحو 112 بليون دولار أمريكي. كما أكدت الأكاديمية الوطنية الصينية للتخطيط البيئي على هذه الحقيقة عندما قدَّرت كُلفة الدمار الشديد الذي وقع على جميع مكونات البيئة وصحة الإنسان بقرابة 222 بليون دولار أمريكي في عام 2009، وارتفع في عام 2010 بنسبة 9.2%.

فكيف إذن لهذه التنمية أن تستمر وتدوم عندما تحقق مكاسب مالية لخزائن الدولة، ثم تضطر بعد حين إلى صرف كل هذه الأموال التي جنتها وكسبتها على علاج أمراض الإنسان المزمنة، وعلاج بيئته ومواردها وثرواتها الطبيعية المُنْهكة بالسموم والملوثات القاتلة التي تقذف في بطنها منذ عقودٍ طويلة؟

وقد انتبه القادة الصينيون إلى هذه المعادلة الصعبة واعترفوا بوقوعها، حيث صرح أحد كبار المسئولين في الكونجرس الصيني قائلاً:“الضباب الدخاني الذي نعاني منه حالياً هو نتيجة حتمية للنمو الصناعي المطرد في الصين، وهذا ينبهنا إلى ضرورة الاهتمام أكثر بقضية التحكم في التلوث”.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق