الجمعة، 22 مارس 2013

قنابل من الفئران يُلقيها الجيش الأمريكي


مهمة عسكرية جوية عاجلة للقوات الأمريكية، ليست هذه المرة لقصف البشر وقتل الناس في أفغانستان، أو في الدول الأخرى التي تحتلها أو تقع تحت هيمنتها المباشرة، كما أن هذه المهمة الطارئة ليست فيها إلقاء قنابل فسفورية، أو عنقودية، أو غيرهما من القنابل المدمرة للبشر والحجر والشجر، وإنما هي قنابل خاصة صممها العلماء الأمريكيين المتخصصين بالتعاون مع وزارتي الدفاع والداخلية، أساسها فئران ميتة مُحَمَّلة بموادٍ سامة مُعلقة بها، واستغرق تصميم وإنتاج هذه القنبلة الفريدة من نوعها قرابة عشر سنوات!  

هذه المرة لم تكن القنابل الأمريكية لملُاحقة وتصفية مجموعات إرهابية، وإنما هي لملاحقة وتصفية كائنٍ فطري حي سبب أزمة خانقة ومزمنة لحياة السكان والحيوانات الأخرى في النظام البيئي لجزيرة نائية تحتلها أمريكا منذ الحرب العالمية الثانية، وهي جزيرة جوام(Guam) الواقعة في المنطقة الغربية من المحيط الهادئ.    

فهذه الجزيرة كانت تعيش آمنة مستقرة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان، وكانت تنعم بحياةٍ طبيعية متزنة ومعتدلة، لا يطغى فيها كائن حي على الآخر، فلا يعتدي كائن حي على حرمات الكائن الحي الآخر الذي يعيش معه إلا بقدرٍ معلومٍ وموزون لا يؤثر على مسيرة الحياة العامة في الجزيرة، ولكن دخل إلى الجزيرة الآمنة مهاجر غير شرعي، وكائن حي غير أصيلٍ ودخيلٍ على سكان الحياة الفطرية الأصليين في هذه الجزيرة، فنَغَّصَ عليهم عيشتهم، وكدَّر حياتهم، وهدد السكان من الحياة الفطرية بالفناء والدمار.

لقد هاجر بطريقة غير شرعية وغير قانونية نوع من أنواع الأفاعي التي لم تكن موجودة أصلاً في هذه الجزيرة، من دول جنوب المحيط الهادئ إلى هذه الجزيرة البعيدة عن طريق السفن الأمريكية العسكرية بعد الحرب العالمية الثانية، فطاب لها المقام في الأدغال والغابات الكثيفة الموجودة على أرض هذه الجزيرة، حيث الماء والخضرة والأكل اللذيذ والشهي من الطيور والكائنات الحية الأخرى التي تُكوِّن لها وجبة دسمة وفاخرة، ومع الوقت حصلت على الإقامة الدائمة في ربوع الجزيرة والجنسية “الجوامية”، وبدأت تهيمن يوماً بعد يوم على الكائنات الأخرى، وبخاصة الطيور، حتى أصبحت في غضون ستين عاماً هي المسيطرة على الجميع وعلى رأس الهرم الغذائي وصلت أعدادها إلى قرابة مليونين، فلا يوجد كائن آخر يفترسها أو يتغذى عليها، مما أدت إلى انقراض بعض الكائنات الفطرية الأصلية النادرة، وبخاصة الطيور، وإحداث خلل عميق في التوازن البيئي في الجزيرة. 

هذه الأفعى تُعرف باسم أفعى الشجرة البنية(Boiga irregularis) ويصل طولها إلى زهاء ثلاثة أمتار، وهي التي أطلقت صفارة الإنذار في الجزيرة برمتها فخلقت حالة من الإرهاب الجماعي، حيث إنها اعتدت على الحياة الفطرية، ودخلت إلى منازل السكان وأصابتهم بالفزع والهلع، وتسلقت على أعمدة الكهرباء وقطعت الأسلاك الكهربائية في الجزيرة وإمدادات الطاقة، وأثرت بشكلٍ كبير على السياحة في هذه الجزيرة النائية.

وهذه الأفعى المهاجرة الدخيلة هي التي اضطرت قاعدة أندرسون الأمريكية الجوية(Andersen Air Force Base) إلى إعلان حالة الطوارئ القصوى في الجزيرة، ووضع خطة تدخل سريع للقضاء هذا الوباء القاتل، والدخيل المفترس، والإرهابي المجرم، حيث اشترك في وضعها فرق متخصصة يمثلون البنتاجون الأمريكي، ووزارة الداخلية، ومجموعة من العلماء والباحثين.

وتَمثل الحل في إمطار الجزيرة بقنابل من الفئران الأبابيل الميتة، مُحملة بأدوية سامة كالأدوية التي نستخدمها لعلاج الصداع وتخفيف آلام الرأس، فعند إلقاء هذه القذائف الجوية من الطائرات المروحية تتعلق بين أغصان الأشجار التي تعيش فوقها هذه الأفعى الشرسة فتأكلها وتموت.

هذه الحالة البسيطة تؤكد خطورة إدخال كانت جديدة في بيئةٍ لا توجد فيها أصلاً، سواء أكانت هذه الكائنات نباتية أم حيوانية، فتأثيراتها السلبية لا تكون على الكائنات الفطرية الأصيلة والمستوطنة التي تعيش في تلك المنطقة، أو على النظام البيئي العام، وإنما على الإنسان نفسه واستدامة حياته على الأرض.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق