الاثنين، 11 مارس 2013

التغير المناخي أَوْقد شرارة الربيع العربي


دراسةٌ أمريكية جديدة وغريبة في عنوانها ومضمونها، نُشرت في العاصمة واشنطن دي سي في الأول من مارس من العام الجاري تحت عنوان “التغير المناخي والربيع العربي”.

هذه الدراسة الفكرية قامت بها عدة معاهد بحثية أمريكية متخصصة في مجال التغير المناخي والبيئة، والقضايا الأمنية الدولية، منها مركز التنمية الأمريكي(Center for American Progress)، ومركز المناخ والأمن(Center for Climate & Security)، ومركز ستيمسون(Stimson Center).

وقد تمت مناقشة هذه الدراسة من حيث الاستنتاجات التي تمخضت عنها في مؤتمرٍ خاص شارك فيه العديد من الشخصيات العلمية المعروفة في أمريكا، منهم من هو متخصص في سياسات الأمن القومي، ومنهم خبراء في الشؤون البيئية والتغير المناخي.

فمن أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة هي تأكيدها على وجود علاقةٍ وطيدة بين الانتفاضات الشعبية والثورات العارمة التي عصفت بالدول العربية منذ عام 2010 وحتى الآن بالتغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية، أي أن هذه الدراسة تفيد بأن التغير المناخي قضية أمنية، وليست بيئية ومناخية فحسب، وأن حدوث التغير المناخي أدى إلى زعزعة الأمن وتدهور الاستقرار في دول الربيع العربي، وساهم في اندلاع هذه الثورات واحدة تلو الأخرى.

وقد استند مؤلفو الدراسة في توصلهم إلى هذه الاستنتاجات إلى تحليل أبعادِ وانعكاسات ارتفاع درجة حرارة الأرض وحدوث التغيرات المناخية، والتي تتلخص في عدة نقاط منها التغير في معدل سقوط الأمطار وأوقات نزولها، وارتفاع درجة حرارة الأرض، وزيادة وتوسع الرقعة التي أصابها داء التصحر في مختلف دول العالم، وتأثير كل هذه الجوانب والأبعاد على أنماط الزراعة من الناحيتين الكمية والنوعية وارتفاع أسعار المواد الغذائية بدرجةٍ كبيرةٍ لم تشهدها الإنسانية من قبل، مما سبب سوء التغذية عند بعض الشعوب، ومجاعة ساحقة عند شعوبٍ أخرى، ولذلك فكل هذه الجوانب السلبية للتغير المناخي التي برزت للعيان، وأثرت على حياة الشعوب والمجتمعات البشرية كانت من أسباب بزوغ فجر مرحلة جديدة في الدول العربية، وكانت وقوداً إضافياً ساهم في حركة الشعوب المتضررة والقيام بثوراتها المعاصرة.

وفي الحقيقة أن هذه الدراسة التي أشارتْ إلى وجود علاقةٍ بين قضيةٍ بيئيةٍ مُحددة هي التغير المناخي والاستقرار السياسي والأمني وقيام ثورات الشعوب، تَقودنا إلى قضيةٍ أعم وأشمل وهي علاقة البيئة بشكلٍ عام وتلوثها وتدهور مكوناتها الحية وغير الحية بالجانبين السياسي والأمني، أي أن هذه الدراسة تثير لدينا السؤال التالي:
هل كل القضايا البيئية تؤدي إلى قيام الثورات الشعبية؟

وقد أجبتُ شخصياً عن هذا السؤال قبل أكثر من عشرين عاماً في المقال المنشور في جريدة أخبار الخليج في التسعينيات من القرن المنصرم تحت عنوان “البيئة تُسقط إمبراطورية”، وكنتُ أقصد بذلك الإمبراطورية الشيوعية التي امتدت أجنحتها إلى العديد من الدول الأوروبية وغير الأوروبية، وحكمتها بالحديد والنار، ووضعت عليها ومن تحتها وأسفل منها ستاراً وجداراً حديدياً لا يستطيع المراقب مشاهدة ما يدور بداخلها.

فهذه الإمبراطورية العظمى سقطت وبَادَتْ وذهبت ريحها وتفككت إلى دول لأسباب كثيرة منها الأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهذه هي الأسباب التقليدية التي تؤدي عادةً إلى سقوط الأمم والحكومات، ولكن في العقود الماضية، وبخاصة بعد الثورة الصناعية، برز عامل آخر لم يكن في الحسبان وهو عامل البيئة وكافة شؤونها وهمومها من تدهورِ عناصرها الحية وغير الحية نوعياً وكمياً واستنزاف ثرواتها ومواردها الطبيعية، فهذا العامل الجديد أصبح الآن يسهم في بدء شرارة الثورات وإسقاط الحكومات، وربما أسهم أيضاً في إشعال فتيل الربيع العربي.

ولكن السؤال الذي لم أستطع الإجابة عليه حتى الآن هو: ما درجة ونسبة إسهام البيئة” في سقوط الحكومات واندلاع الثورات؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق