الجمعة، 29 مارس 2013

سياسة القبضة الحديدية


سياسة القبضة الحديدية تُنفذ عادة في الدول الدكتاتورية ومن قبل الحكام المستبدين لإخافة الشعوب وقهرهم واضطهادهم ووقف أنفاسهم، حتى يصبحوا عبيداً أذلاء لا رأي لهم ولا قول، فالحاكم ذو القبضة الحديدية هو الذي يُسير الشعب كما يشاء ولا يخيرهم في أمور دنياهم ومعاشهم، إتباعاً لمنهج فرعون في الحكم عندما قال لشعبه: مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىوَمَاأَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ.

وهذا النمط من الحكم ينتهجه اليوم رئيس الوزراء الصيني الجديد، ولكن لحسن الحظ ليس هذه المرة لاستباحة الحقوق السياسية للشعب وإلقاء الفزع في قلوبهم، وإنما من أجل قضيةٍ سامية، وهدفٍ نبيل تسعى كل دول العالم إلى تحقيقه وهو حماية البيئة وثرواتها الطبيعية التي تدهورت وضربت أطنابها في أعماق البيئة وجسم الإنسان إلى درجةٍ لا يمكن السكوت عنها، أو غض الطرف عن تداعياتها الخطرة المشهودة على صحة الإنسان وسلامة الحياة الفطرية التي تعيش معنا.

فقد تعهد رئيس الوزراء لي كيكيانج(Li Keqiang) في أول خطابٍ له في 17 مارس باستخدام ”القبضة الحديدية، والقرارات الحازمة، والإجراءات القوية“، وذلك من أجل معالجة قضايا التلوث البيئي المستفحلة في جذور المجتمع الصيني، وتأمين سلامة الأغذية والمشروبات التي يتناولها الشعب، كما أبدى في المؤتمر الصحفي الذي عقد بعد نهاية الدورة التشريعية السنوية الأولى للكونجرس الشعبي الوطني قلقه الشديد من الظهور المستدام للضباب الضوئي الكيميائي القاتل للإنسان، وصرح قائلاً للصحفيين، ولأول مرة في تاريخ الصين: ”إننا سنُطور ونحسن نموذج التنمية الاقتصادية في البلد من أجل أن يتمتع الناس بالهواء النظيف ومصادر مياه الشرب والغذاء الآمنة“، كما أضاف قائلاً بأن النمو الاقتصادي يجب أن لا يكون على حساب البيئة، حيث إن هذا النمط من النمو لا يرضي الشعب.

وعلاوة على ذلك، فقد حدد رئيس الوزراء في المؤتمر الصحفي المهمات الرئيسة الثلاث لحكومته وهي أولاً البقاء على النمو الاقتصادي، وثانياً تحسين معيشة وحياة الناس، وأخيراً تحقيق العدالة الاجتماعية. ولو تمعنا قليلاً في هذه المهمات لوجدنا أنها تصب في السياسة العامة التي وافقت عليها دول العالم قاطبة في قمة الأرض التي عُقدت عام 1992 في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية، حيث اتفقت جميع الدول على تبني سياسة جديدة عند الشروع في التنمية أُطلق عليها ”التنمية المستدامة“، والتي تتكون من ثلاثة أركان هي التنمية الاقتصادية، والتنمية البيئية، والتنمية الاجتماعية، كما وافقت الدول على وثيقة عُرفت بــ أجندة 21، أو جدول أعمال القرن الحادي والعشرين، وهي وثيقة تُقدم للدول خارطة طريق يسيرون عليها لتحقيق التنمية في القطاع الاقتصادي، والبيئي، والاجتماعي، دون أن تطغى متطلبات أحد القطاعات على الأخرى.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا انتظرت الصين عقوداً من الزمن لتغير سياساتها التنموية؟
فهل هذا التغير الجذري في سياسات الصين جاء رغبةً حقيقية من قادتها وحباً لبيئتهم ومواردها الطبيعية، أما أنها اضطرت إليه جبراً وخوفاً من طوفانٍ قادم؟

والجواب هو أن الفساد البيئي الذي استشرى في شرايين الصين، ودمر صحة الملايين من المواطنين وحول الأنهار والمسطحات المائية إلى مستنقعات سامة لا حياة فيها، أدى إلى تحول حالة التدهور البيئي هذه إلى قضية سياسية وأمنية واسعة النطاق خرج من أجلها الملايين من الصينيين متظاهرين ومحتجين بغضبٍ وعنف على الأوضاع السيئة والمأساوية التي وصلت إليها البيئة، مما أجبر القيادة الصينية وفرض عليها تعديل سياساتها التنموية والعمل على تطويعها لتكون أكثر رفقاً بالبيئة ومكوناتها الحية وغير الحية.

ولذلك كما أن الصين غيرت سياساتها التنموية لتكون أكثر إندماجاً مع المتطلبات البيئية لأسباب أمنية وسياسية بحته، فإنني أتمنى من دولنا القيام بذلك قبل أن تصبح البيئة هماً يضاف إلى هموم رجل الشارع، وقبل أن تتحول إلى قضية أمنية تؤثر على استقرار البلاد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق