السبت، 4 يناير 2014

الإنذار الأخير إلى لندن



معظم السياح الذين يزورون العاصمة البريطانية لندن لا يعرفون المأزق المتأزم والمستدام الذي تعاني منه هذه المدينة العريقة، ولا يدركون حجم معاناة السكان من تدهور وفساد نوعية الهواء لعقودٍ طويلةٍ من الزمن، بل ومنذ بدء الثورة الصناعية الأولى.

فهواء لندن ليس كما يحسبه الكثير من السياح بأنه عليل ونظيف، وينعش القلب، ويلطف النفس، ويقوي البدن، وإنما بلغ هذا الفساد في جودة الهواء إلى درجةٍ كبيرةٍ بحيث أن الاتحاد الأوروبي أنذر وحذر لندن وللمرة الأخيرة بضرورة اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لتنظيف الهواء وجعله أكثر صحة وأمناً للناس، وبالتحديد من ناحية تقنين أعداد وحركة السيارات في وسط لندن وتبني إستراتيجية طويلة الأمد في السماح فقط للسيارات التي تسير على الوقود النظيف والمتجدد.

فبعد أن نفد صبر المسئولين في الاتحاد الأوروبي، وانتظروا طويلاً، وهددوا كثيراً، أصدرت مفوضة الاتحاد الأوروبي ممثلة في وزير البيئة أو المفوض البيئي الأوروبي جانيز بوتكنك(Janez Potočnik) إنذاراً أخيراً وتحذيراً شديد اللهجة لمدينة لندن والمدن الأخرى التي تشتكي من ارتفاع تركيز الملوثات السامة والخطرة في الهواء، ونبهتهم إلى وجود خيارين لا ثالث لهما، إما تنظيف الهواء وتحسين نوعيته بحلول عام 2020، وإما مواجهة الغرامة المالية التي سترهق ميزانياتها.

فكما هو معلوم بأن للإتحاد الأوروبي قوانين وأنظمة صارمة في جميع المجالات يجب أن تلتزم بها كافة الدول المنظمة لها، ومن بينها قوانين متعلقة بهموم البيئة وشؤونها وعلى رأسها معايير ومواصفات جودة الهواء الجوي والنسبة المسموح بها للملوثات لكي تتواجد في الهواء.

فمدينة لندن منذ عقود وهي تخالف أنظمة الاتحاد الأوروبي وتتحدى هذه القوانين الأوروبية وتماطل في تنفيذها، فلا تتخذ احتياطات وإجراءات حاسمة وفاعلة للتخفيف من حدة وتركيز الملوثات في الهواء الجوي، والتي لا يرى بعضها بالعين المجردة وليس له لون أو طعم أو رائحة، وبالتالي يظن الناس أن الهواء سليم ونظيف ويحمي صحتهم.

ويعزى هذا الاهتمام السياسي الأوروبي بجودة الهواء الجوي إلى الآثار الصحية التي تنجم عن التعرض لتلوث الهواء الجوي والتهديدات التي يلحقها بجسم الإنسان من أمراضٍ مزمنة ومستعصية على العلاج والموت المبكر، حتى أن منظمة الصحة العالمية صنفت مؤخراً الهواء الجوي بأنه "مسرطن للإنسان"، أي أن الهواء الجوي الذي نستنشقه يؤدي إلى الإصابة بالسرطان مع الوقت.

وعلاوة على الجوانب الصحية لتلوث الهواء، فإنه له مردودات عميقة على اقتصاد الدول الأوروبية، فكلفة العلاج وفاتورة التخلص من أمراض تلوث الهواء تتحملها الحكومات في نهاية المطاف، حيث يتراوح بين 330 إلى 940 بليون يورو سنوياً.

واستفادة من تجربة الاتحاد الأوروبي في مجال حماية الهواء الجوي وآلية تنفيذ القوانين على مستوى كافة الدول الأعضاء في الاتحاد، أتمنى من دول مجلس التعاون، ودول الاتحاد الخليجي مستقبلاً، أن لا يتجاهلوا في خضم القضايا الأمنية الساخنة والأزمات السياسية المتلاحقة، تلك القضايا المتعلقة بصحة البيئة والإنسان والحياة الفطرية، وضرورة العمل على تبني السياسات وتنفيذها على مستوى الدول، لكي ننعم بحياةٍ مستقرة وآمنة وطيبة، وبيئةٍ سليمة وصحية تقينا وتمنعنا من شر الأمراض والأسقام المزمنة لنا وللأجيال القادمة من بعدنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق