الأحد، 12 يناير 2014

ما هو مصير كمبيوترك القديم؟


هل فكرتَ يوماً ما وأنت تلقي بكمبيوترك القديم في القمامة وتستبدله بآخر جديد، ماذا سيكون مصير هذا الجهاز الذي يحتوي على مكونات خطرة مضرة للإنسان وبيئته والحياة الفطرية؟

 

وهل سألت نفسك عن مصير العشرات من الهواتف النقالة التي رميتها أنت وأفراد أسرتك في القمامة المنزلية، فأين ذهبت وأين سيكون مثواها الأخير، وفي أي أرضٍ سيوارى جثمانها الثرى؟

 

وفي السياق نفسه ما مصير ملايين الأطنان من مخلفات الألعاب الإلكترونية، وشاشات العرض الإلكترونية، وأجهزة التلفزيون، والطابعات القديمة، والمليارات من البطاريات الخطرة التي تُشغل كل هذه الأجهزة؟

 

كل هذه المخلفات التي أُطلقُ عليها بمخلفات القرن الحادي والعشرين، والتي تُعرف عالمياً بالمخلفات الإلكترونية أصبحت الآن قضية كبرى تشغل بال الإنسان من علماء وسياسيين ورجال الأمن والاقتصاد والاجتماع، وتُسبب لهم جميعاً هماً كبيراً وقلقاً عميقاً مشتركاً لا بد لهم من تقديم حلولٍ جذريةٍ ومستدامة لمنعها وإدارتها، فهي مشكلة ذات أبعادٍ متشعبة ومتعمقة في جذور المجتمع على المستويين الوطني والدولي، فمنها البعد السياسي والأمني، ومنها البعد الاقتصادي والاجتماعي، ومنها البعد البيئي الصحي.

 

أما البعد السياسي الأمني فيتمثل في ولوج العصابات الإجرامية ومنظمات المافيا بطرق شرعية وغير شرعية في عملية التخلص من هذه المخلفات، حيث وجدت فيها فرصة استثمارية فريدة ومصدراً شهياً لجمع المال والثروة، فهي تقوم بتأمين نقل هذه المخلفات الإلكترونية من دول الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية الغنية إلى دول العالم الثالث الفقيرة والمستضعفة، كالهند وباكستان وهونج كونج والصين ونيجيريا وغانا والمكسيك وفنزويلا وغيرها من الدول التي لديها عمالة رهيبة وعاطلة عن العمل ومعدومة وتحتاج إلى دولاراتٍ قليلة لسد جوعها وكسب قوت يومها، فعلى سبيل المثال، غانا وحدها تستقبل قرابة 237 ألف طن سنوياً من المخلفات الأوروبية الإلكترونية.

 

ولذلك تفاقمت عمليات المافيا في السنوات الأخيرة وتعمقت مشكلة تهريب هذه المخلفات إلى درجةٍ كبيرةٍ تعدت طاقات وإمكانات الدول منفردة في منعها وإيقافها، مما اضطرت بعض دول العالم إلى الاستعانة بمنظمة الشرطة الدولية، أو الإنتربول في الحصول على الدعم الفني والتقني والمعلوماتي، حيث قام الإنتربول خلال السنوات القليلة الماضية بضبط زهاء أربعين شركة تقوم بهذه العمليات غير الشرعية وتحويلها إلى محاكم الجنايات.

 

أما الجانب البيئي الصحي فينعكس أساساً وبشكل مباشر وعلى المدى القصير على الدول النامية الفقيرة التي تدخل في حدودها هذه المخلفات، فيتعامل عشرات الآلاف من البشر الفقراء من الأطفال والنساء وغيرهم مع هذه المخلفات، فيعملون في ظروفٍ غير صحية وغير آمنة في الهواء الطلق وفي مدافن القمامة السامة، من حيث حرقها في العراء لفصل المواد المعدنية النافعة منها كالذهب والنحاس، أو فكها والتعرض مباشرة للملوثات الخطرة كالزئبق والرصاص والكادميوم والزرنيخ وغيرها من المعادن المسرطنة. وقد أكد المقال المنشور في مجلة اللانست الطبية المعروفة تحت عنوان:"البعد الصحي للتعرض للمخلفات الإلكترونية" في 30 أكتوبر 2013 على هذه الظاهرة السيئة، وأشار إلى ارتفاع الإصابة بالأمراض المزمنة بين العاملين في عملية فصل المخلفات الإلكترونية.

 

فهذه المخلفات الإلكترونية حقيقة واقعة تجثم فوق صدور مجتمعاتنا لا ينكرها أحد، ورَفَعتْ الدول دون استثناء الراية البيضاء أمامها لعدم قدرتها على مواكبة وملاحقة إدارة هذا المد الكاسح والمستمر والمتعاظم منها في كل دول العالم، ولذلك قامت منظمات الأمم المتحدة ذات العلاقة والحكومات والجمعيات الأهلية المختصة والجامعات والشركات والصناعات بتشكيل فريق عمل في عام 2007 لسبر غور هذه القضية الدولية المشتركة، فجاء تقريره في ديسمبر من العام المنصرم منذراً بتغلغل خطورتها في أعماق المجتمع البشري، حيث أكد بانفجار ولادة هذه المخلفات وبلوغها عام 2013 حاجر الخمسين مليون طن، وقدر زيادتها بنسبة 33% سنوياً. 

 

أما علاج هذه القضية المشتركة فيكمن على مستويين، الأول دولي والثاني وطني. فعلى المستوى الدولي يجب إلزام الشركات المصنعة لهذه المنتجات الإلكترونية على إتباع التصميم والإنتاج البيئي من حيث تجنب استخدام المواد السامة والخطرة، وإطالة عمر المنتج، إضافة إلى عمل منتجات سهلة التدوير. وأما على المستوى الوطني، فإنني أدعو إلى ما يلي: أولاً على المستوى الفردي من حيث عدم تبديل هواتفنا أو كمبيوتراتنا أو غيرها من المنتجات الإلكترونية بسرعة، ثم تجنب إلقاء هذه المنتجات في حالة عدم الحاجة إليها وتقديمها لمن يستخدمها. ثانياً على مستوى الجمعيات الأهلية والشركات من حيث إقامة مراكز لاستقبال هذه الأجهزة ثم تصليحها وتطويرها وتقديمها أو بيعها للآخرين في الداخل أو خارج البحرين. ثالثاً على مستوى الدولة من حيث تقديم الدعم المعنوي والمالي لهذه الجهود ومساعدتها في عملية إعادة الاستعمال والتدوير، مما سيخفض من أحجام المخلفات الإلكترونية التي تصل إلى مدافن القمامة.   

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق