الأربعاء، 8 يناير 2014

كلفة التدمير البيئي



بعد أن بلغ السيل الزبي، وبعد أن طفح الكيل واستفحلت المشكلة وانتشرت في جميع شرايين الصين المغذية للحياة، وبعد أن ضج الصينيون وانتفضوا ذعراً وهلعاً، كبيرهم وصغيرهم، غنيهم وفقيرهم، ضعيفهم وقويهم من داء التلوث الذي ضرب أطنابه قوية وعميقة في كافة أعضاء الجسم الصيني من بشرٍ وحجرٍ وشجرٍ وطيرٍ، استيقظ الحزب الشيوعي الحاكم من نومه العميق الذي استغرق قرابة خمسين عاماً ليوجه بعض اهتمامه بالبيئة وثرواتها الحية وغير الحية، ويعطي قليلاَ من وقته ليرعي هذه البيئة التي أنهكها التلوث خلال تلك السنوات العجاف، فتحولت مشكلة التلوث من بيئية وصحية إلى سياسية وأمنية، تُهدد تماسك الحزب الشيوعي الحاكم واستقرار الحكومة المركزية.

ولكن جاءت الكلفة باهضة جداً، والحساب عسير وكبير، فقد اضطرت الحكومة الصينية الآن إلى تخصيص مبلغ رهيب لحماية البيئة ومعالجة الملوثات التي كانت تنطلق إلى الهواء والماء والتربة دون حسيبٍ أو رقيب، أو مراقبةٍ من أية جهةٍ حكومية، حتى أن هذه الكلفة الأولية وصلت إلى أكثر من 290 بليون دولار أمريكي ستصرف فقط على أجهزة التحكم في الهواء الجوي ومعالجة الملوثات التي تنطلق من محطات توليد الكهرباء والمصانع الأخرى التي أفسدت نقاء وصفاء الهواء الجوي، إضافة إلى تحسين نوعية الملوثات التي تنبعث من عوادم السيارات، وسيكون التركيز في المرحلة الأولى من هذه الخطة الوطنية على الدخان أو الجسيمات الدقيقة الصغيرة الحجم التي لها تأثيرات عظيمة على صحة الإنسان، وبخاصة انعكاساتها الخطرة على الجهاز التنفسي والقلب والتعرض للموت المبكر.

وهذا المبلغ الذي نشر مؤخراً من قبل الأكاديمية الصينية للتخطيط البيئي، وهي جهة حكومية، يُعد تقديراً أولياً لفاتورة حماية الهواء الجوي فقط للفترة من عام 2014 إلى 2017، وستكون الفاتورة القادمة كبيرة جداً لا يمكن تحديدها بسهولة، وسترهق كاهل ميزانية الدولة والشركات الخاصة المسئولة عن هذا التدمير البيئي الواسع النطاق.

ولكنني أؤكد هنا إلى حقيقةٍ مهمة جداً تَعَلمتُها من الوقائع التاريخية البيئية المعاصرة، ويجب أن لا نغفل عنها بتاتاً في البحرين، وهي أننا مهما صرفنا من أموال الآن، وبذلنا من جهودٍ مضنية ومستميتة، فإننا لن نستطيع إرجاع البيئة إلى سابق عهدها بعد أن سمحنا بالسموم في الدخول فيها، فالكثير من هذه السموم والملوثات تبقى في البيئة خالدة مخلدة، لا تتحلل ولا تتغير فهي مستقرة وثابتة وتتراكم في مكوناتها الحية وغير الحية، فتنتقل عبر السلسلة الغذائية إلى أن تصل إلى الإنسان، ولو بعد حين، ولذلك من الأولى والأجدى والأفضل اقتصادياً وصحياً تجنب إدخال الملوثات إلى بيئتنا منذ البداية حتى لا نضطر إلى القيام بما قامت به الصين. 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق