الأربعاء، 12 مارس 2014

التغير المناخي وارتكاب الجريمة


عندما تُرتكب أية جريمة مهما كان نوعها وحجمها، وفي أية بقعة كانت من بقاع الأرض، فإن أسبابها تعزى إلى الجانب السياسي أو الدوافع السياسية، وإما تعزى إلى الدوافع الاجتماعية والاقتصادية، فكل التفسيرات للقيام بالجرائم وأعمال العنف تصب دائماً في هذه الجوانب التقليدية الثلاثة المعروفة.

 

ولكن اليوم ومع استفحال القضايا البيئية وتعمقها في أعماق جذور المجتمعات البشرية وتغلغل الملوثات بشتى أنواعها وبمستويات مرتفعة في الإنسان والحياة الفطرية بشقيها النباتي والحيواني وفي مكونات البيئة غير الحية من ماءٍ وهواءٍ وتربة، فإن البيئة أصبحت عاملاً جديداً مهماً في كافة مناحي حياتنا وفي جميع شئوننا، وتحولت إلى بعدٍ خطير يُهدد أمننا ويُعيق استدامة حياتنا ونوعية معيشتنا على وجه الأرض.

 

فمن المعروف منذ عقود أن للتلوث أبعاداً سلبية تنعكس على صحة الإنسان الجسمية والفسيولوجية، وهناك الكثير من الأمراض المزمنة التي انكشفت مؤخراً في مجتمعاتنا البشرية وعلى رأسها السرطان وأمراض القلب والجهاز التنفسي ترجع أسبابها إلى التعرض للملوثات الكيميائية والفيزيائية والحيوية.

 

ولكن لم يخطر على بال أحد بأن للتلوث البيئي أبعاداً اجتماعية وسلوكية على الفرد والمجتمع، وبالتحديد من ناحية ارتكاب الجرائم والميل نحو العنف والقيام بأعمال الشغب، ولذلك قام الباحثون في السنوات الماضية بسبر غور هذه العلاقة بين التلوث والجريمة، وإجراء الدراسات الميدانية للتحقق من صحتها.

 

وقد جاءت آخر دراسة في هذا المجال من جامعة هارفرد الأمريكية، ونُشرت في مجلة إدارة واقتصاديات البيئة(Environmental Economics and Management) في فبراير من العام الجاري تحت عنوان: "الجريمة، والطقس، والتغير المناخي".

 

فهذه الدراسة هدفت إلى بيان العلاقة والرابطة بين تلوث الهواء من غاز ثاني أكسيد الكربون الذي يسبب ارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية ويُحدث التغير المناخي وميول الأفراد والجماعات إلى الوقوع في الجريمة وأعمال العنف بشتى أنواعها في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث قامت الدراسة بتقدير تأثيرات التغير المناخي وعلاقته بانتشار الجريمة في أمريكا من خلال تحليل أعداد وأنواع الجرائم التي ترتكب في كل شهر وتغيرات الطقس خلال ثلاثين عاماً في 2997 مدينة أمريكية. وتمخضت عن هذه الدراسة عدة استنتاجات منها أن هناك علاقةً قوية ومباشرة بين درجة الحرارة وارتكاب الجريمة، كما قَدَّرتْ الدراسة أن التغيرات المناخية خلال الفترة القادمة من 2010 إلى 2099 ستؤدي إلى زيادة وقوع الجرائم عن المعدلات المعروفة على النحو التالي: 22 ألف جريمة قتل، و 180 ألف جريمة اغتصاب، و 2.3 مليون حالة اعتداء، و 1.3 حالة سرقة عامة، و 580 ألف سرقة سيارات.

 

أما الكُلفة الاقتصادية لزيادة معدلات ارتكاب الجرائم بسبب التغير المناخي الناجم عن ارتفاع تركيز الملوثات في الهواء الجوي فتتراوح بين 38 إلى 115 بليون دولار.

 

ونظراً لواقعية هذه العلاقة بين الجريمة والعنف والاستقرار الأمني والسياسي للدول وبين ارتفاع درجة حرارة الأرض والتغير المناخي، فقد اهتمت جهات أمنية وسياسية، وليست جهات بيئية فحسب بهذه القضية المتشابكة، حيث قامت الـ سي آي إيه، أو وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بتمويل بحثٍ علمي للتحقق من هذه العلاقة، وبيان دور تلوث الهواء والتغير المناخي في إحداث حالة عدم الاستقرار الأمني على مستوى الدولة الواحدة وعلى مستوى الدول. وعلاوة على هذا، فقد حظت هذه القضية باهتمام عدة معاهد بحثية أمريكية متخصصة في مجال التغير المناخي والبيئة والقضايا الأمنية الدولية، منها مركز التنمية الأمريكي(Center for American Progress)، ومركز المناخ والأمن(Center for Climate & Security)، ومركز ستيمسون(Stimson Center) وعَقدت عدة مؤتمرات لمناقشتها.

 

ولذلك علينا في مملكة البحرين الاهتمام أيضاً بهذه القضية البيئية المعقدة لما لها من علاقةٍ مباشرة بأمننا واستقرارنا من ناحيتين. الأولى خفض انبعاث الملوثات التي تؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض وعلى رأس القائمة غاز أول أكسيد الكربون الذي ينتج عن حرق الوقود في محطات توليد الكهرباء والمصانع والسيارات، والناحية الثانية فهي قيام الجهات المعنية بالبحرين، وفي مقدمتهم هيئة الكهرباء والماء في اتخاذ كافة الإجراءات والاحتياطات اللازمة لتجنب انقطاع الكهرباء ومنع شعور الناس بالحر والقيظ وارتفاع درجة الحرارة، فالحرارة العالية تؤدي تلقائياً إلى الشعور بالانزعاج والضيق وأعمال العنف وارتكاب الجرائم.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق