الخميس، 20 مارس 2014

ما مصير مخلفات السفن الموجودة في مياه الخليج؟



قبل أكثر من 20 عاماً أثناء حرب الخليج وتزامناً مع ازدياد أعداد السفن في مياه الخليج العربي، كتبتُ مقالاً في جريدة أخبار الخليج حول كمية ونوعية المخلفات التي تنتجها السفن الحربية العملاقة القابعة في مياه الخليج العربي، والتي يُعد بعضها مدناً عائمة تحتوي على كافة المرافق التي توجد في المدن، وينزل على ظهرها الآلاف من البشر، وتساءلت في هذا المقال عن مصير هذه المخلفات الصلبة والسائلة وكيفية التخلص منها، ومازالت منذ ذلك الوقت في انتظار الإجابة عن هذه الأسئلة!

وفي السياق نفسه نَشَرَتْ صحيفة الإندبندنت البريطانية في العدد الصادر في 15 مارس من العام الجاري تحقيقاً صحفياً حصرياً تحت عنوان: "المياه الدولية الأكثر نظافة تتلوث بمياه المجاري من سفن البحرية الأمريكية"، وقلتُ في نفسي لعلي أجد في هذا التحقيق الإجابة الشافية عن تساؤلاتي التي طرحتها قبل أكثر من عقدين من الزمان.

فقد أكد هذا التحقيق على أن سفن البحرية الأمريكية تَصْرف مياه المجاري شبه المعالجة ومخلفات سائلة أخرى في المياه العذراء البكر المعروفة بنظافتها العالية ونقاوتها وخلوها كلياً من الملوثات البشرية، وبالتحديد في المياه التي تحتوي على الشعاب المرجانية في الجزر والقواعد التي تمتلكها بريطانيا في منطقة دياجو جارسيا(Diego Garcia) الواقعة بين مجموعة جزر شاجوز(Chagos Islands) في المحيط الهندي.

كما أفاد التحقيق الصحفي أن مثل هذه الممارسات الخاطئة والتي فيها في الواقع ارتكاب لجرائم تَنْهتك حرمات البيئة البحرية والحياة الفطرية، مستمرة منذ نحو 30 عاماً، وبالتحديد بدأت عند إنشاء قاعدة أو محطة بحرية أمريكية في مطلع الثمانينيات في هذه الجزر العذراء، علماً بأن بريطانيا أعلنت منذ أربع سنوات هذه الجزر البكر كأكبر محمية بحرية في العالم.

وجدير بالذكر أن وزارة الخارجية البريطانية كانت على علمٍ مسبق بمثل هذه التصرفات المخالفة للقانون البريطاني والتي تتعارض مع الأنظمة الدولية والاتفاقيات الأممية المتعلقة بحماية البحار والحفاظ على بيئاتها والحياة الفطرية التي تعيش تحت ظلها، ومنها على سبيل المثال اتفاقية رامسار حول الأراضي الرطبة(Ramsar Convention on wetlands). فقد أرسل مكتب الخارجية ودول الكومن ولث في وزارة الخارجية في أبريل من عام 2013 خطاباً إلى مجلس العموم البريطاني حول هذه القضية، وورد فيه: "بَلَغَنا بأن السفن الأمريكية تصرف مخلفات سائلة في البحيرات في المنطقة منذ إنشاء محطة بحرية أمريكية في مطلع الثمانينيات"، وأن هذه المخلفات السائلة عبارة عن "مياه مجاري معالجة ومياه ناجمة عن عمليات التنظيف والطبخ".

ومن المعروف أن مخلفات مياه المجاري، حتى لو تمت معالجتها جزئياً، فإنها تسبب نوعين من التلوث. النوع الأول هو التلوث الحيوي، حيث إن مخلفات مياه المجاري تحتوي على العديد من الكائنات الدقيقة بمختلف أنواعها وأحجامها وأشكالها من بكتيريا وفيروسات، وهذه تؤدي إلى ظهور مشكلاتٍ كبيرة تنعكس سلباً على الكائنات البحرية الدقيقة كالبلانكتونات النباتية والحيوانية التي تعتبر أساس السلسلة الغذائية البحرية، وبعبارةٍ أخرى هذه الكائنات الصغيرة والبسيطة هي التي تعيش عليها الأسماك والكائنات البحرية الأخرى الأكبر حجماً، فلا حياة في البحر بدون هذه البلانكتونات.

أما النوع الثاني من التلوث فهو التلوث الكيميائي الناجم عن المركبات الكيميائية الخطرة الموجودة في مخلفات مياه المجاري، والتي قد تؤدي مع الوقت وتراكم الملوثات وزيادة تركيزها إلى انكشاف ظاهرة الإثراء الغذائي أو المد الأحمر، وهي تحول البيئة البحرية إلى اللون الأخضر والأحمر، وهذه ظاهرة لو وقعت فستهدد الحياة الفطرية البحرية في تلك المنطقة، ولها مردودات خطرة على البيئات البحرية، مثل الشعاب المرجانية، وبيئة الحشائش والطحالب.

ولذلك فإنني أستنتج بأن صرف السفن الحربية الأمريكية للمخلفات السائلة أو الصلبة في البيئات البحرية ليس من الممارسات الغريبة التي لا تقع منهم، فالتقارير الحالية منها والسابقة تؤكد قيامهم بمثل هذه الممارسات غير القانونية، وبناءً عليه يجب علينا أخذ الحيطة والحذر والتأكد من قيام هذه السفن بإدارة مخلفاتها بطريقة بيئية وصحية سليمتين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق