الثلاثاء، 18 مارس 2014

مصائب قوم عند قوم فوائد



التلوث الشديد والمدقع الذي أصاب هواء بعض المدن الصينية العريقة ليس شراً كله، وليس فساداً جُله، وإنما نزل بالخير العَمِيم على بعض التجار ورجال الأعمال، وأدى إلى ازدهار ونمو ورواج بضائعهم، وإحداث طفرة غير مسبوقة في أعداد الناس المقبلين على شرائها.

فتلوث الهواء الذي يخيم على المدن الصينية الكبيرة ويجثم فوق قلوب ونفوس الناس ويدخل في أعماق الجهاز التنفسي، أَوْقَعَ الملايين من الضحايا البشرية، فمنهم من أُدخل الطوارئ وهو يعاني من آلامٍ في الصدر، وضيقٍ في التنفس، ومشكلاتٍ في القلب، ومنهم من وقع صريعاً وقضى نحبه بسبب استنشاقه للسموم والدخان الملوث. 

وتجنباً للوقوع في هذه الأمراض والتعرض للموت البطيء أو الموت المباغت، اضطر الناس إلى اتخاذ كافة الإجراءات والاحتياطات اللازمة لمنع هذه التأثيرات الصحية القاتلة، وتدافعوا إلى شراء الأجهزة والمعدات والأدوات التي تقيهم من شر هذه الملوثات الخانقة، وتمنع دخولها في أجسامهم.

فعلى سبيل المثال، ارتفعت مبيعات أجهزة تنقية وترشيح الملوثات من الهواء الجوي المستخدمة في المنازل والمكاتب والمحلات التجارية وصفوف المدارس، حيث بلغت في عام 2013 نحو 468 مليون دولار وبنسبة نمو فاقت الـ90% مقارنة بعام 2012، كما أكدت التقارير أن مبيعات هذه الأجهزة تتناسب مع درجة التلوث في الهواء وتركيز الملوثات، فكلما ارتفعت نسبة التلوث، هَرَعَ الناس أكثر لشراء أجهزة تنظيف الهواء الجوي.

كذلك زادت أعداد الناس الذين أقبلوا على شراء الكمامات، أو الأقنعة الواقية التي تُغطي الفم والأنف وتمنع دخول السموم إلى الجسم عن طريق الأنف، حيث تم شراء 217 ألف كمامة عن طريق الإنترنت خلال أسبوع واحد فقط في الأيام التي انكشف فيها الضباب القاتل، كما أن هذه الأقنعة نفدت من الأسواق خلال بعض الفترات.   

فهذه الحالة الصينية تؤكد أن قضية التلوث بشكلٍ عام، وتلوث الهواء بشكلٍ خاص يجب أن لا يستهان بها، والحكومة الصينية أيقنت الآن هذه الحقيقة، وانعكس هذا على تصريحات المسئولين وعلى رأسهم رئيس الوزراء الصيني الذي أعلن مؤخراً الحرب على التلوث في كلمةٍ ألقاها في حفل افتتاح المجلس الشعبي الصيني قائلاً: "الحكومة ستعلن الحرب على الضباب الملوث للهواء في المدن".

وأتمنى أن نعلن نحن أيضاً الحرب على التلوث قبل أن يغزونا حتى نقلل من الضرر والخسائر البشرية.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق