السبت، 15 مارس 2014

إعلان الحرب على التلوث



لأول مرة في تاريخ الصين تدخل البيئة بقوة ضمن الهموم والشئون اليومية لقادة الحزب الشيوعي الحاكم في الصين، ولأول مرة في تاريخ الصين تستخدم لهجة شديدة لإدارة الهم البيئي وحماية كافة مكونات البيئة الحية وغير الحية، حيث بلغت هذه اللهجة ذروتها عندما تم الإعلان عن "الحرب على التلوث البيئي".

فالرئيس الصيني كساي جينبينج(Xi Jinping) نفسه أعترف مؤخراً قائلاً بأننا يجب أن نعالج "الأعراض والأسباب الحقيقية للتلوث البيئي"، وأضاف بأن التلوث في بكين يُعد "التحدي الأكبر"، وفي السياق نفسه جاءت تصريحات رئيس الوزراء الصيني لي كيكيانج (Li Keqiang) متناغمة ومتطابقة مع تصريحات الرئيس، حيث ألقى كلمة في الخامس من مارس في الاجتماع السنوي الثاني عشر للكونجرس أو المجلس الصيني الشعبي الوطني في العاصمة بكين وأمام 3000 نائب، بَيَّنَ فيها برنامج الحكومة وأهدافها لعام 2014، ولأول مرة حظت البيئة بالأولوية والرعاية والاهتمام إلى جانب النمو الاقتصادي، حيث قال: "التلوث مشكلة رئيسة، والحكومة ستعلن الحرب على الضباب الملوث للهواء في المدن من خلال التخلص من السيارات الملوثة للبيئة وإغلاق الأفران التي تعمل بالفحم"، وأضاف قائلاً أن: "التلوث هو التحذير والضوء الأحمر للطبيعة بسبب النمو غير الفاعل وغير الكفوء والأعمى في بلادنا، ولذلك فإن تبني سياسة النمو البيئي المعقول ضروري وهام لحياة الناس ومستقبل أمتنا".

ولكن ما الأسباب التي أدت إلى هذا الاهتمام السياسي غير المسبوق بالبيئة، وذلك بعد أن أهملتها عمداً عقوداً طويلة من الزمن، وغفلت كلياً عن شئونها، وتوغلت بعمق في أبواب النمو الاقتصادي البحت؟

هذا الاهتمام الآن بالبيئة ومواردها لم يأت من فراغ، ولكن في تقديري لقد اضطرت الصين إليها اضطراراً، وأُجبرت على رعايتها وحمايتها رغماً عن أنفها وليست طواعية منها وحباً في صيانتها. فالهم البيئي لم يَعُد بيئياً خالصاً فحسب، والهم البيئي لم يعد عند عددٍ قليلٍ من علماء البيئة والنشطاء يدافعون عنه، وإنما تحول إلى همٍ شعبي عام وعلى نطاقٍ واسعٍ جداً، تَحركتْ له كل فئات وطبقات الشعب الحكومية وغير الحكومية الرسمية وغير الرسمية، الأُمية والمثقفة، الفقيرة والغنية، الصغيرة والكبيرة، الضعيفة والمتنفذة، كما تحولت في الوقت نفسه إلى قضية رأي عامٍ محلي ودولي تناولتها كل صحف العالم بدون استثناء، وبدأت تضر وتؤثر على سمعة الصين في المحافل الإقليمية والدولية.

فالهم البيئي تحول في الصين إلى قضية أمنية وسياسية، حيث نُظمت المظاهرات في شتى مدن الصين في السنوات الماضية، وبعضها كانت مظاهرات واحتجاجات عنيفة وأعمال شغب من أجل حماية البيئة ومنع إنشاء مصانع ملوثة لمكونات البيئة.

والهم البيئي في الصين تحول إلى قضيةٍ صحيةٍ عامة، حيث تم الإعلان رسمياً من جهاتٍ حكومية عن أكثر من 500 قريةٍ سرطانية، أي أن أعداد المصابين بالسرطان تزيد بدرجةٍ ملحوظة في هذه القرى مقارنة بالقرى الأخرى، إضافة إلى انتشار أمراض القلب والجهاز التنفسي في المدن التي تعاني من ظاهرة الضباب القاتل الذي يخيم فوقها طوال العام، وقد لَخصَ أحد كبار مستشاري الحكومة الصينية الوضع البيئي والصحي في بلاده قائلاً :"إن التلوث لا يحتمل".

والهم البيئي في الصين أصبح قضية اقتصادية من الدرجة الأولى، حيث إن كُلفة علاج التلوث البيئي للهواء الجوي والأنهار والبحيرات بلغت المليارات من الدولارات وبدأت ترهق كاهل ميزانية الصين وتؤثر على نموها، كما أن تلوث الهواء في المدن الصينية التجارية جعل الكثير من رجال الأعمال والقادة التنفيذيين للشركات متعددة الجنسيات والشركات الصينية الكبيرة يعزفون عن العمل في هذه المدن ويهربون من الصين بحثاً عن الهواء العليل والسليم، والماء العذب الزلال، والبحر الصافي والنظيف.      

ولهذه الأسباب الأمنية، والسياسية، والاقتصادية، والصحية، طَفَا الهم البيئي فوق سطح أولويات الحكومة الصينية، وبدأت الاهتمام به، وإنني لا أريد أن نصل في بلادنا بالبيئة إلى هذا المستوى السيء الذي وصلت إليه في الصين لكي نفزع لحمايتها ورعايتها، فلنعمل من الآن سريعاً وبجدية قبل أن تتفاقم المشكلات البيئة وتستفحل، وتتعاظم انعكاساتها وتداعياتها السلبية.  


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق