الاثنين، 31 مارس 2014

لماذا منعت باريس السيارات؟


إجراءٌ حازمٌ وحاسم اضطرت العاصمة الفرنسية باريس إلى اتخاذه وتنفيذه، وتَمثل هذا الإجراء في السماح فقط لبعض السيارات الخاصة من الدخول في وسط باريس، فلا بد إذن وأن تكون هناك أسباب وجيهة وقوية، ومبررات مقنعة جداً ألزمت الجهات المعنية إلى تطبيق مثل هذا الإجراء الجريء والشجاع الذي عادة ما لا يلقى تجاوباً وقبولاً من فئات المجتمع المختلفة ويؤثر على النشاط الاقتصادي في المدينة.

 

فقد جاء هذا الإجراء من أجل حماية الصحة العامة ومنع الضرر الصحي من أن يقع على الجميع بدون استثناء، وتجنيب الناس خطر الوقوع في الأمراض المزمنة والحادة، فمدينة باريس، كغيرها من المدن الحضرية العريقة، تُعاني بشكلٍ مزمن ومنذ أكثر من قرن من ضيفٍ ثقيل يجثم فوق صدور الناس، وتقاسي طويلاً من تلوث الهواء الجوي ونزول الضباب الضوئي الكيميائي على رؤوس المواطنين بين الحين والآخر، ففي بعض الأوقات ينزل هذا الضيف الثقيل ليومٍ واحد على الناس، ثم ينقشع ويرحل بعد أن يوقع خسائر صحية محدودة وفي نطاقٍ ضيق، وفي أوقاتٍ أخرى، كما حدث مؤخراً في باريس، يبقى هذا الضيف فترة طويلة من الزمن دون أن يتزحزح من مكانه شبراً واحداً، فيُخيم فوق قلوبهم ويصيب عامة الناس بالفزع والهلع، ويُسقط الكثير من الضحايا البشرية بين مريضٍ يدخل المستشفى وهو يعاني من آلامٍ في الصدر، وضيقٍ في التنفس، أو مشكلات في القلب، وبين صريعٍ يهوى إلى الأرض فيلقى نحبه ويدخل القبر.

 

ولذلك في هذه الأيام بعد أن استمر هذا الضباب القاتل فوق رؤوس الناس وأبى أن ينقشع، اضطرت باريس إلى تقنين الحركة المرورية في وسط المدينة وخفض أعدادها من حيث السماح لبعض السيارات الشخصية من الدخول، إضافة إلى حافلات النقل الجماعي وسيارات الأجرة والسيارات التي تعمل بالوقود النظيف مثل السيارات والكهربائية، كما سمحت بدخول السيارات التي بها أكثر من ثلاثة أفراد. وعلاوة على هذا الإجراء فقد أعلنت باريس بأن القطارات وحافلات النقل الجماعي ستكون مجانية لتشجيع الناس على تجنب استعمال سياراتهم الشخصية، كما حثت الناس على البقاء في منازلهم وعدم ممارسة الأنشطة الخارجية.

 

فهذه الحالة التي أصابت باريس هي في الحقيقة ظاهرة دولية عامة تنكشف في معظم المدن الحضرية، مثل بكين وشنجهاي في الصين، ولندن، ولوس أنجلوس، ونيويورك، وطوكيو، وفي جميع هذه الحالات فإن هذه الظاهرة تنعكس سلباً ليس على الوضع البيئي فحسب، وإنما على الوضع الصحي لعامة الناس، والوضع الاقتصادي، والسياسي على حدٍ سواء، مما يحتم علينا دراسة احتمال وقوع هذه الظاهرة في البحرين وأخذ كافة الإجراءات والاحتياطات اللازمة لمنع وقوعها، فالمؤشرات التي أراها أمامي تؤكد بأننا لسنا بمنأى عنها، وأنها ستنزل علينا قريباً.  

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق