الاثنين، 7 أبريل 2014

التلوث طارد للاستثمار والكفاءات


في السنوات الماضية كنتُ أكتبُ عن نظريةٍ تقول بأن التلوث وتدهور البيئة بشكلٍ عام، سواء الماء أو الهواء أو التربة أو الحياة الفطرية النباتية والحيوانية يؤدي إلى تدهورٍ شديد في الاقتصاد، وكسادٍ حادٍ في التجارة والأعمال، ونفورٍ وهروبٍ للكفاءات التنفيذية الأجنبية، وطردٍ للاستثمار ورأس المال، واليوم ومع تجارب وخبرات مختلف دول العالم خلال العقود الماضية، أكتبُ الآن عن تحول هذه النظرية إلى حقيقةٍ علميةٍ واقعة ناصعة البياض لا لبس فيها ولا غموض، فهذه الحقيقة نشاهدها في المدن الحضرية الكبرى المعروفة بتلوثها وفسادِ مكونات بيئاتها.

 

ومن أفضل الأمثلة التي يمكنني تقديمها لإثبات هذه الحقيقة هي الوضع الراهن في الكثير من المدن الصينية العريقة التي تشهد واقعاً بيئياً مأساوياً، يتمثل في التدمير الشديد الذي لحق بالهواء الجوي، حتى أصبح هذا الهواء قاتلاً للإنسان بدلاً من أن يكون معيناً لصحة الإنسان وسلامته، كما يتمثل في فساد نوعية المياه، سواء أكانت مياه الشرب، أو مياه الأنهار والبحيرات التي تُعد من المصادر المهمة للشرب والزراعة والغذاء والرزق للملايين من الصينيين.

 

فهذه الحالة البيئية الكارثية التي تُهدد الأمن الصحي للإنسان وتؤدي به إلى الأمراض المزمنة والموت المبكر، اضطرت الكثير من الشركات العملاقة متعددة الجنسيات إلى إعادة النظر في أعمالها واستثماراتها في المدن الصينية ذات السمعة البيئية السيئة.

 

وهناك كما هائل من الدراسات والبحوث والتقارير والتحقيقات الصحفية حول علاقة فساد البيئة بمستقبل الاقتصاد والأعمال في المدن الصينية، منها التقرير المنشور في صحيفة الفاينيشيل تايمس(Financial Times) البريطانية في 12 مارس، والتقرير الصادر في صحيفة يوميات الصين(China Daily) في العدد المنشور في 27 مارس من العام الجاري، حيث أكدت هذه التقارير أن الضباب القاتل الذي يجثم أشهراً طويلة فوق بعض المدن الصينية، وبخاصة العاصمة بيجين، قد خلق مشكلة مزمنة للشركات الصينية وغير الصينية، وجعل من الصعوبة إقناع رجال الأعمال والتنفيذيين ذوي الكفاءات العالمية العالية والخبرة الطويلة والفريدة من العمل في الشركات الصينية المحلية، أو الشركات العالمية متعددة الجنسيات، وذلك خوفاً من الوضع البيئي المتردي والمستدام، والمخاطر الصحية الناجمة عنها والتي يتعرضون لها يومياً هم وأسرهم وأطفالهم، وفي الوقت نفسه يجدون صعوبة بالغة في تشجيع وإغراء الكفاءات العالية والمؤهلة والخبرات الفنية من النزوح للعمل في المدن الملوثة من مدنٍ غير ملوثة، حتى أن بعض الشركات تعاملت مع هذه التحديات الحديثة باستخدام الجانب المالي لإغرائهم على العمل بإعطائهم علاوة "تلوث"، أو "بونس" ودعم مالي وتعويض خاص لمواجهة تلوث الهواء في منازلهم، كما أن هناك شركات تأمين استحدثت معاملة خاصة هي التأمين ضد الضباب القاتل.

 

ولذلك إذا أردنا فعلاً في البحرين أن يزهر اقتصادنا بشكل مستدام، أن نحافظ على بيئتنا ونرعى مصالحها يومياً، ونحميها من كل تلوثٍ أو فسادٍ في نوعيتها وكميتها.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق