الخميس، 24 أبريل 2014

مؤتمر الأمن الوطني والأمن البيئي



عُقد مؤخراً مؤتمر الأمن الوطني والأمن الإقليمي في البحرين والذي قام بتنظيمه مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة ليناقش العديد من القضايا الهامة والحيوية والتي من بينها كيفية تحقيق الأمن على المستويين القومي والخليجي.

فهناك عدة عوامل تقليدية معروفة لها دور مشهود في تحقيق استدامة الأمن للمواطن والحكومات وتثبيت أركان الدولة، مثل تعزيز وانتعاش الجانب الاقتصادي للدولة من جانب، وازدهار وتنمية الوضع المعيشي للمواطن من جانبٍ آخر، وتعميق أدوات ووسائل تحقيق العدالة الاجتماعية والسياسية بمفهومهما الشامل بين كل فئات وطبقات المجتمع، إضافة إلى توفير المستلزمات الأساسية لحياة المواطن اليومية من البنية التحتية السليمة والكهرباء والماء والمستشفيات والمرافق التعليمية.

ولكن في العقود الماضية برز عامل جديد ومؤثر ويُسهم إيجاباً أو سلباً في استتاب الأمن واستقرار الدولة، وهذا العامل لا يمكن الآن تجاهله أو تهميشه، فقد أثبت أن له دوراً في تحقيق الأمن والأمان ليس على المستوى الوطني فحسب وإنما على المستويين الإقليمي والدولي، وبدأ المجتمع الدولي الآن في الاعتراف به كورقة هامة وفاعلة تُضم إلى العوامل الأخرى التي تلعب دوراً في الأمن والسلم الدوليين.

هذا العامل هو البيئة وحمايتها ورعاية مصالحها المتمثلة في الحفاظ على نوعية وكمية مواردها الطبيعية من ماءٍ وهواءٍ وتربة وصيانة صحة الكائنات الحية التي تعيش في ظلها من إنسان وحيوان ونبات، وهذا العامل من خلال متابعاتي ومراقبتي الشخصية خلال الثلاثين عاماً الماضية لإسهامه ودوره في استقرار الحكومات وعلاقته بالجانب الأمني، تبين لي بأن تأثيراته بدأت تتفاقم مع الوقت إلى درجةٍ أصبح الآن ينافس العوامل التقليدية في تحقيق الأمن والاستقرار الوطني والإقليمي. 

فتدهور عناصر البيئة يؤدي إلى انكشاف ظواهر ومشكلات بيئية، وهذه المشكلات تكون في بداية الأمر ذي أبعادٍ بيئية بحتة، ولكنها إذا تفاقمت ولم تعمل الحكومة على إيجاد الحلول المستدامة والجذرية للقضاء عليها فستتحول إلى مشكلة رأي عام تتقاذفها وسائل الإعلام، ومع الوقت تصبح قضية سياسية تدخل في أروقة المجالس النيابية، ثم إذا استمرت تتحول إلى قضية أمنية تتمثل في خروج الناس في مظاهرات قد تكون عنيفة في بعض الأوقات، وقد تؤدي إلى إسقاط الوزير المعني، أو الحكومة برمتها.

وهناك قضية بيئية الآن قد دخلت المرحلة الأمنية من حيث أبعادها على المستويين الوطني والإقليمي على حدٍ سواء، وهي قضية التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الأرض. ومما يؤكد تصوري هذا هو الخطاب الذي ألقاه كيري وزير الخارجية الأمريكي في 16 فبراير من العام الجاري في العاصمة الإندونيسية جاكرتا ووصف فيه التغير المناخي بأنه "التحدي الأعظم لجيلنا هذا". كما أضاف قالاً بأن التغير المناخي يُعد "سلاحاً آخر من أسلحة الدمار الشامل، وربما السلاح الأخطر والأكثر فزعاً من بين أسلحة الدمار الشامل". وعلاوة على ذلك فقد صنَّف وزير الخارجية الأمريكي قضية التغير المناخي مع القضايا المصيرية والرئيسة الأخرى التي تتصدي لها أمريكا منذ سنواتٍ طوال، كقضية الإرهاب، والفقر، وأسلحة الدمار الشامل. ومن جانبٍ آخر دخل جهاز المخابرات الأمريكي الـ سي آي إيه على الخط وقام بتمويل بحثٍ علمي في مجال التغير المناخي، وهذا يُقدم دليلاً قوياً آخر على علاقة المشكلات البيئية، ومشكلة التغير المناخي بالتحديد بالجانب الأمني، ودورها في تحقيق الأمن والاستقرار على كافة المستويات، وصرح الناطق الرسمي باسم الـ سي آي إيه لتوضيح أهمية تمويل هذا النوع من الأبحاث قائلاً:"إنه من الطبيعي أن تقوم وكالة الاستخبارات بالتعاون مع العلماء المختصين من أجل الوصول إلى فهمٍ أدق لظاهرة التغير المناخي وتأثيراتها على الأمن القومي". وعلاوة على ذلك، هناك عدة دراسات مرموقة وموثقة نُشرت في مجلات علمية ذات مصداقية عالية تؤكد على حقيقة واحدة وهي أن للمشكلات البيئية وبخاصة ارتفاع درجة حرارة الأرض والتغير المناخي علاقة وطيدة بارتكاب أعمال العنف والشغب في الكثير من المجتمعات في دول العالم، وأن تأثيراتها واضحة ومشهودة على زعزعة أمن واستقرار هذه المجتمعات والدول وقيام الحروب فيما بينهما.

ولذلك كلما تحدثنا عن "الأمن"، يجب أن لا ننسى ولا نتجاهل البعد البيئي ودوره في تحقيق هذا الأمن للشعوب والحكومات، فدوره يتعاظم يوماً بعد يوم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق