السبت، 3 مايو 2014

سلاح الملوثات الكيماوية



منذ سنواتٍ اختفى ذِكر استخدام سلاح الملوثات الكيماوية، أو السلاح الكيماوي في المعارك والحروب، فقد أصبح هذا السلاح جزءاً من تاريخ الحروب المأساوية الغابرة التي انتهت منذ أكثر سبعين عاماً، حتى أن الناس نسوا وجود مثل هذا النوع الفتاك والمدمر تدميراً شاملاً من الأسلحة، ولكن الأسد ونظامه ومن يدعمه ويقف معه من الدول والأحزاب، أبوا إلا وأن يذكروا الناس بالتاريخ المظلم والكارثي الحزين لهذه الأسلحة المـُحرمة وتلك الحقبة الأليمة من تاريخ البشرية، فأَلْقوا هذا السلاح المدمر للحرث والنسل والأخضر واليابس على الشعب السوري الأعزل مراراً وتكراراً دون أن يحسوا بأدنى تأنيبٍ للضمير أو شعورٍ بالذنب، ودون أن يَلْقوا عقاباً رادعاً وكاسراً من المجتمع الدولي حتى يكونوا عبرة لغيرهم، ولمن يريد أن يعتبر.

فتارةً استخدم الأسد غاز السارين(sarin) أو غاز الأعصاب قبل أكثر من عام، وبالتحديد في 21 أغسطس 2013، الذي لا لون وله ولا طعم ولا رائحة فيقضي على البشر دون سابق إنذار، وتارة وبالتحديد قبل قرابة أسبوع استخدم غاز الكلور، وفي كل الأحوال سقطت أعداد كبيرة من الضحايا البشرية من أطفال وشباب وشيوخ.

وفي الواقع فإن تاريخ استخدام سلاح الملوثات الكيميائية في الحروب يرجع إلى آلاف السنين، ولكن كان على مستوى ضيق جداً والضحايا كانوا يُعدون على أصابع اليد، ولكن التوغل الشديد وعلى نطاق واسع لسلاح الدمار الشامل الكيماوي بدأ مع دخول العالم في ظلمات الحرب العالمية الأولى، حيث نشوة تحقيق النصر وإلحاق الهزيمة الساحقة بالعدو كان هو الهدف الرئيس، فكل دولة سعت إلى التفوق العسكري بأية وسيلة متاحة وبأي أداة تحقق الغلبة والانتصار، فالغاية كانت تبرر الوسيلة.

فكان للجيش الألماني أثناء الحرب العالمية الأولى السبق في إنتاج واستعمال هذا السلاح الفتاك، حيث أُلقيت أول قنبلة كيماوية في العصر الحديث في 22 أبريل 1915 في مدينة لنجرمارك(Langemarck) البلجيكية على جيش الحلفاء، وبالتحديد على الجيش الفرنسي، عندما قام الألمان بهجمة مباغتة على مواقع الفرنسيين وباستخدام سلاح غريب كان مفاجأة غير سارة ومدمرة على الجيش الفرنسي لم يعرفوا كيفية التعامل معه وصده ومواجهته، حيث استخدم الجيش الألماني غاز الكلور السام فتعرض له مباشرة كافة الجنود عندما غطت سحب الكلور القاتلة المنطقة التي يتخندق فيها الجيش الفرنسي والذي كان عدده نحو 15 ألف، فمات منهم على الفور 5000، ثم في 24 أبريل ألقى الألمان أيضاً الكلور على الجيش البريطاني في معركة سينت جولين(St. J)، وهكذا أخذت الجيوش المتناحرة التنافس في استخدام هذا السلاح الحديث المدمر، ليُوقع كل واحد منهم أكبر الخسائر البشرية على الآخر.

فهذه الكارثة الأولى التي نزلت على البشرية بسبب الجيش الألماني كانت بمثابة البذرة الخبيثة السرطانية التي زرعت في الأرض، ففتحت أبواب السلاح الكيماوي على مصراعيها، وبدأ السباق الفعلي بين الدول المتحاربة على إنتاج الأسلحة الكيماوية بمختلف أنواعها وأحجامها وقدراتها التدميرية من جهة، وصناعة أسلحة أخرى جديدة أشد فتكاً وأكثر تدميراً للبشر والحجر، حتى وصلنا في نهاية المطاف إلى سلاح الدمار الشامل، وهو القنابل الذرية النووية التي أُلقيت على هيروشيما وناجازاكي أثناء الحرب العالمية الثانية، ومازال العالم بالرغم من الاتفاقيات الأممية المتعلقة بمنع سباق التسلح، يعمل ليلاً نهاراً على تطوير وإنتاج أسلحة نوعية خطرها أعم وأكبر من الجيل الأول للقنبلة الذرية، سواء أكانت أسلحة كيماوية أو بيولوجية أو ذرية.

والحديث عن سلاح الملوثات الكيماوي يَـجُرْني تلقائياً إلى الحديث عن سلاح الملوثات والتلوث الذي نعيش معه في كل ثانية، وفي كل يوم، وفي كل مكان، أينما كُنَّا، فالتلوث بين أيدينا، ومن أمامنا ومن خلفنا، وعن أيماننا وعن شمائلنا، ومن فوقنا ومن تحتنا، فليس هناك بيت مَدَرٍ ولا وَبَر إلا ودخله التلوث، وليس هناك شبراً من البيئة، بعيداً كان أم قريباً، في المدن كان أم في الأرياف والقرى النائية، إلا وقد أصابه داء التلوث، بحيث أصبحنا اليوم لا نستطيع أن نُجنب أنفسنا التعرض له، ولو هربنا إلى بروجٍ مشيدة في أعالي السماء، فالتلوث سيدركنا جميعاً ولو كُنا في بروجٍ مشيدة، فكيف نواجه هذا النوع من السلاح الذي خطره أَعَم وأشد على المدى البعيد؟


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق