الجمعة، 16 مايو 2014

التخلص من 50 مليون جالون من مياه الشرب العذبة!



اضطرتْ الجهات المعنية بإنتاج وتوزيع مياه الشرب في مدينة بورتلند(Portland) بولاية أوريجن الأمريكية إلى التخلص من زهاء 50 مليون جالون من ماء الشرب العذب الفرات الصافي وصرفه في المسطحات المائية، ونظراً لأهمية هذا الخبر بالنسبة للإنسان وغرابته في الوقت نفسه، فقد كَتبتْ عنه واهتمت بتغطيته وسائل الإعلام الأمريكية وغير الأمريكية مثل صحيفة الإندبندنت البريطانية، ومحطة السي إن إن الإخبارية الأمريكية، إضافة إلى صحف أمريكية قومية مرموقة مثل الواشنطن بوست، والـ يو إس أيه توداي(USA Today)، واللوس أنجلوس تايمس.

فلماذا هذا الهدر الكبير للماء؟ ولماذا اضطرت مدينة بورتلند على اتخاذ هذا الإجراء الاستثنائي العجيب والمـُكلف اقتصادياً؟

فأسباب صرف هذا الحجم الهائل من ماء الشرب النقي الزُلال تتلخص في قيام بعض الشباب بعد منتصف الليل وفي الساعة الواحدة صباحاً بالتبول في مخزونٍ ضخمٍ ومفتوحْ يحفظ مئات الملايين من المياه في المدينة، ويُزود المواطنين بمياه الشرب والمياه المنزلية بشكلٍ عام، حيث قامت كاميرات المراقبة بكشف هذه الحادثة وتصويرها كاملة، وعندها قامت الشرطة باعتقال الشباب واتهامهم جنائياً لارتكابهم لهذه الجريمة الصحية البيئية الشنيعة.

وبالرغم من بساطة هذا الخبر، إلا أنه يرمز إلى قضيةٍ بيئيةٍ وصحيةٍ خطيرة تعاني منها الكثير من المجتمعات الحضرية والريفية منذ قرون، وتهدد أمنهم الصحي والبيئي، وهي قضية مياه المجاري وطرق معالجتها والتخلص منها والآثار الصحية والبيئية والاقتصادية التي تترتب على سوء إدارتها.

وتكمن خطورة مياه المجاري التي من مكوناتها الرئيسة هي البول، في محتوى ومكونات هذه المياه الآسنة، وبخاصة إذا صُرفت في المسطحات المائية المالحة أو العذبة دون معالجة، أو حتى معالجة جزئية وثانوية. فمياه المجاري تحتوي على ملوثات كيميائية من جهة، وملوثات حيوية من جهةٍ أخرى. أما الملوثات الكيميائية فهي مركبات الفوسفور والنيتروجين من اليوريا وغيرها من الملوثات، إضافة إلى عشرات الآلاف من الملوثات التي يصرفها الناس في مياه المجاري من أدوية تالفة، وأصباغ، ودهون وغيرها. وفي المقابل هناك الملوثات الحيوية في هذه المياه من بكتيريا وفيروسات وغيرهما من الأحياء المـُعدية والخطرة على صحة الإنسان والكائنات الفطرية النباتية والحيوانية.

ولذلك فإن هذه الملوثات الكيميائية والحيوية الموجودة في مياه المجاري إذا لم تتم معالجتها قبل صرفها في البحر، أو المسطحات المائية الأخرى، فستسبب ظاهرة بيئية تُعرف بالإثراء الغذائي أو المد الأحمر، وهي تَحَول المسطحات المائية إلى اللون الأخضر أو الأحمر، وينجم عنها فرز سمومٍ تقتل الأحياء الفطرية المائية وتؤثر صحياً على الإنسان في حالة استهلاكه لكائنات حية من تلك المنطقة، وقد تؤدي إلى وفاته، كما حدث بالفعل في الكثير من الدول. وفي دول الخليج قد تتفاقم المشكلات الصحية والبيئية العامة التي تنجم عن عدم الإدارة السليمة بيئياً وصحياً لمياه المجاري، حيث إن دولنا تعتمد بدرجةٍ كبيرة على مياه البحر للتحلية لإنتاج مياه الشرب والمياه المنزلية، وفي حالة صرف مياه المجاري في البحر فإنها قد تختلط مع مياه البحر وتدخل مع مجرى المياه التي تدخل للتحلية في المصنع فتنتقل الملوثات الكيميائية والحيوية إلى الناس عن طريق مياه التحلية، وتُعرِّض حياتهم للأمراض والأوبئة والموت.

ولذلك علينا الاستثمار في مياه المجاري من ناحية معالجتها بشكل سليم بيئياً وصحياً ثم الاستفادة منها وإعادة استخدامها في ري المسطحات المائية، حيث تُعد مياه المجاري في الكثير من الدول التي تعاني من شحٍ في المياه من المصادر غير التقليدية المتجددة وغير الناضبة، ويمكن الاعتماد عليها في جميع الأحوال والظروف.

وقد عالج الإسلام قضية إدارة مياه المجاري بتبنيه لنهجِ وسياسة الوقاية، من حيث منع صرف عناصر ومكونات هذه المياه الملوثة في المسطحات المائية، وهناك أحاديث كثيرة تؤكد هذه الحقيقة، منها نهي الرسول صلى الله عليه وسلم أن يُبال في الماء الراكد، ومنها ما ورد عن أبى هريرة رضي الله عنه أن سمع رسول الله يقول:"لا يبولن أحدكم في الماء الذي لا يجري ثم يغتسل فيه"، إضافة إلى الأحاديث التي تَنْهى المسلم من البراز في الموارد المائية.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق