الخميس، 10 أبريل 2014

فيلم نوح



فيلم سيدنا نوح عليه السلام الذي صدر هذه الأيام وعُرض في دور السينما في بعض دول العالم، أثار جدلاً حاداً ونقاشاً واسع النطاق بين الأوساط الدينية المسلمة والمسيحية من جهة، والأوساط الفنية من جهةٍ أخرى، فمنهم من أفتى بعدم جواز عرض الفيلم أمام الناس، ومنهم من اعتبر هذا الفيلم من باب حرية الرأي والتعبير، وأنه لا يتنافى أو يتعارض مع المبادئ والأسس الإسلامية والمسيحية.

ولست هنا للحديث عن هذا الجانب من الفيلم لأنه ليس من اختصاصي ولست مؤهلاً لأفتي فيه، ولكنني أريد هنا أن أُلقي الضوء على قصة نبينا نوح عليه السلام وما جاء في هذا الفيلم من الزاوية البيئية، وبالتحديد من باب حماية الحياة الفطرية والحفاظ على التنوع الحيوي على وجه الأرض، وأهمية ودور التنوع في الأحياء النباتية والحيوانية في استدامة حياة الإنسان وضمان معيشته على سطح الأرض، إذ لا حياة للإنسان بدونها.

فالفيلم في حد ذاته يُقدم النبي نوح عليه السلام بأنه رائد العمل البيئي، ويهدف في الوقت نفسه إلى عرض رسائل بيئية محددة للجمهور، حيث وصف مخرج الفيلم دارين أرونوفسكي(Darren Aronofsky) النبي نوح بـ "البيئي الأول"، ولكنني بالرغم من اعتراضي على هذا الوصف، إلا أنني هنا أستعرض معكم الإشارات البيئية التي جاءت في هذا الفيلم وفي قصة نوح عليه السلام اعتماداً على الآيات القرآنية.

فقد وردت في سورتين مختلفتين، هما سورة هود وسورة المؤمنون،"حتى إذا جاءَ أَمرُنَا وفَارَ التَّنُّورُ قُلنَا احمِل فيها من كلٍ زوجَين اثنين "فإذا جاءَ أَمرُنَا وفَارَ التَّنُّورُ فاسْلُك فيها من كلٍ زوجَين اثنين"، إشارات دامغة على أهمية التنوع والتعددية في الكائنات الحية، وأهمية بقائهما من أجل بقاء الإنسان واستدامة حياته على الأرض، ولذلك أمر الله سبحانه وتعالى نبيه نوحاً عليه السلام ببناء السفينة وأن يَحمِل معه فيها من كل صنفٍ من الأحياء والحيوانات ذات الأرواح زوجين، ذكراً وأنثى، لأجْل أن يمنعها من الانقراض والزوال من على سطح الأرض، وتبقى بعد غرق سائر الأحياء في الطوفان فتتناسل ويبقى نوعها على الأرض، فيستفيد الإنسان منها وتستديم حياته اليومية بعد ذلك. وهذا يؤكد أن قصة نوحٍ عليه السلام تبين الحرص الشديد على حماية صورة محددة من التنوع في الكون، وهو ما يُطلق عليه الآن بالتـنوع الحيوي، أو التـنوع البيولوجي، أو التـنوع في الكائنات الفطرية الحية، وهي النباتـات والحيوانـات على جميع مستويـاتها ودرجاتـها.

ومن هذا المنطلق نُؤكد على تعاليم الإسلام وتوجيهاته في حماية ورعاية التنوع، وبكل أنواعه وأشكاله. فالتنوع في حياتنا بشكلٍ عام سُنة إلاهية،ومعجزة ربانية، وضرورة بشرية، ومتعة إنسانية، وحاجة ترويحية، فلا يمكن الاستغناء عنه، أو تجاهله. والتنوع أو التعددية آية باهرة من آيات خلقه عز وجل تدل على وحدانيته وجلال قدره، وتعد معجزة من معجزاته الكثيرة في هذا النظام الكوني الفسيح، ودليل وبرهان على عظمة قدرته اللامتناهية، وإبداع صنعه الذي أتقن كل شيء. فهناك كم كبير من الآيات التي تبين كل أشكال التنوع في حياتنا، فمنها آيات حول التنوع في الجمادات والمخلوقات غير الحية كالصحارى الباردة والحارة، والغابات، والبحيرات والأنهار والبحار، والجبال الخضراء والجرداء، وهناك آيات عن التنوع في المخلوقات الحية كالإنسان من حيث اللون واللغة والعادات والتقاليد والأحجام والأشكال، وهناك أيضاً سور في القرآن سُميت بأسماء الحيوانات والنباتات وآيات كثيرة أخرى عن التنوع في هذه المخلوقات النباتية والحيوانية ودور كل منها في حد ذاته لاستدامة بقاء الكرة الأرضية واستدامة حياة الإنسان.

ولذلك نجد أن الإسلام منذ نوح عليه السلام إلى نبينا محمدٍ عليه أفضل الصلاة والسلام آخر الأنبياء والمرسلين، دعا بشكل واضح لا لبس فيه إلى الالتزام بأخلاقيات وقواعد معينة تهدف إلى حماية وصيانة التنوع في حياتنا، وبهذه الدعوة الربانية الصريحة سَبَقَ الجميع، بما في ذلك المجتمع الغربي، والذي يَدَّعي ويزعم حالياً أنهم هم أول من دعا إلى حماية التنوع، وبخاصة من خلال ما يُعرف باتفاقية التنوع الحيوي، أو التنوع الإحيائي والتنوع في الحياة الفطرية، والتي قُدمت في مؤتمر قمة الأرض(Earth Summit)، أو مؤتمر التنمية المستدامة(Sustainable Development)في يونيو من عام 1992 في مدينة ريو دي جانيرو بالبرازيل.

وكل من يريد التحقق والتأكد من صحة ادعائي هذا، يمكنه الرجوع إلى كتابي تحت عنوان "حماية الحياة الفطرية في الإسلام"، حيث بَيَّنْتُ فيه بالأدلة الدامغة والشافية من القرآن والسنة المطهرة دور الإسلام ومساهماته الجليلة في حماية الحياة الفطرية بشقيها النباتي والحيواني، وحِرْص ديننا الحنيف على إنمائها ورعايتها والحفاظ عليها نوعياً وكمياً.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق