الثلاثاء، 15 أبريل 2014

من سارس إلى كورونا


لم تَغِبْ عن مخيلتي المشاهد التي رأيتها في عام 2003 في كافة أرجاء العالم من أدناه إلى أقصاه، من دول المشرق إلى دول المغرب، فمازِلتُ أتذكر مناظر ومشاهد الناس في المطارات، وفي المراكز الصحية والمستشفيات وهم يقفون في طوابير طويلة ومزدحمة، وعلى وجوههم علامات القلق والرعب، وفي نفوسهم الألم الشديد خوفاً من التعرض للمرض الذي ضرب بعنف وبقوة شديدين في دول شرق آسيا، فالكل يقف في هذه الطوابير منتظراً دوره في الكشف على درجة حرارة جسمه لمعرفة ما إذا كان مصاباً بالمرض المعدي الجديد.

 

فقد حَلَّ على بني البشر فيروس ضعيف وبسيط لا يُرى بالعين المجردة، بل ولا يمكن مشاهدته إلا بأكثر الأجهزة دقة وحساسية، فقد ضرب فيروس سارس(SARS) الإنسان من حيث لا يدري وسبب له التهاباً رئوياً حاداً مميتاً في أغلب الأحيان، فنشر الهلع والفزع في قلوب العالمين، حتى ولو كانوا بعيدين عن مصدر الفيروس، وملأ نفوسهم خوفاً من أن يصابوا بهذا الفيروس القاتل الذي ينتشر بين البشر كانتشار النار في الهشيم، ويُعدي الناس بشكلٍ مباشر وسريع، فأصاب هذا الفيروس أكثر من 9000 من بني البشر، مات منهم أكثر من 800. وعلاوة على ذلك، فقد كبَّد هذا الفيروس الإنسان خسائر عظيمة تمثلت في تكاليف العلاج المرهقة، والنفقات الباهظة التي صُرفت على سبل وطرق الوقاية منه، إضافة إلى مصاريف الكشف عن المرض بين الناس.

 

والآن كلما ورد ذكر فيروس سارس، اهتزت دول العالم خوفاً وذعراً، وأعلنت حالة الطوارئ القصوى في كافة مرافق الدول، وشمرت عن سواعدها ويديها استعداداً لمواجهة هذا القاتل.

 

واليوم نحن نقف عاجزين وحائرين وخائفين أمام فيروسٍ آخر، قريبٍ في النَسَبْ ومن سلالة فيروس سارس السفاح الذي يسبب التهاباً رئوياً حاداً مميتاً، ولكن هذا الفيروس معظم ضحاياه في منطقة الشرق الأوسط، وبخاصة دول الخليج العربي وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية وقطر ودولة الإمارات العربية المتحدة والأردن وتونس، فنسبة كبيرة من الذين سقطوا وقضوا نحبهم من المملكة العربية السعودية منذ أن تم اكتشاف الفيروس في أبريل عام 2012. 

وقد نُشرت عدة دراسات لسبر غور هذا الفيروس المعروف بكورونا(corona) والذي يصيب الإنسان بحالة قاتلة يُطلق عليها بمِيرس(MERS) أو ظاهرة الشرق الأوسط التنفسية(Middle East respiratory syndrome)، ومحاولة كشف أسراره وخفاياه، منها الدراسة التي ظهرت في 8 مارس من العام الجاري وقام بها فريق من العلماء من جامعة كولومبيا الأمريكية بالتعاون مع المعهد الأمريكي الوطني للحساسية والأمراض المعدية وجامعة الملك سعود في الرياض، حيث تم سحب عينات من الدم من الأنف والمستقيم من مائتين جمل في المملكة العربية السعودية في الفترة من نوفمبر إلى ديسمبر 2013، إضافة إلى تحليل عينات قديمة من دم الجمال ترجع إلى الفترة من 1992 إلى 2010.

وقد تمخضت عن هذه الدراسة عدة استنتاجات مهمة. الأول أن هذا الفيروس مُنتشر بين الجمال على نطاق واسع جداً ولأكثر من عشرين عاماً، وأن الكثير من صغار الجمال مصابين بهذا الفيروس في جهازهم التنفسي، حيث اكتشف بكثافة في إفرازات الأنف في الجمال الصغيرة وبنسبة 74% من مجموع الجمال. والاستنتاج الثاني فقد أكدت الدراسة على أن هذا الفيروس نفسه هو الموجود في أجسام المرضى المصابين.  

 

كما نُشر بحث آخر في نوفمبر 2013 في مجلة أمراض معدية قادمة(Emerging Infectious Diseases) يتهم فيه الخفاش في المملكة العربية السعودية بنقل هذا الفيروس للبشر، حيث تم اكتشاف فيروس ميرس في براز الخفاش.

 

ومن أجل الوقاية من شر هذا الفيروس والفيروسات الأخرى القاتلة علينا أولاً عن نبتعد على مصادر الفيروس كالجمال والخفاش، وثانياً اتخاذ إجراءات وقائية عامة مثل النظافة الشخصية وغسل اليدين بين الحين والآخر، وتجنب الاختلاط بمرضي الجهاز التنفسي.

 

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق