الاثنين، 11 أغسطس 2014

البابا فرانسيس وقضية المخلفات السامة



ربما لأول مرة في تاريخ كلمات بابا الفاتيكان، يتم تخصيصُ جزءٍ من الخطاب لقضيةٍ بيئيةٍ محددة، حيث ألقى البابا فرانسيس بابا الفاتيكان في 27 يوليو من العام الجاري خطاباً عند زيارته لمدينة كاسرتا(Caserta) الواقعة جنوب إيطاليا أمام أكثر من مائتي ألف من المسيحيين الواقفين في الهواء الطلق للاستماع إلى كلمته. 


 


ولهذه المدينة العريقة الواقعة بالقرب من مدينة نابولي المشهورة ميزة خاصة تتميز بها عن باقي المدن الإيطالية، فهي مشهورة تاريخية بأنها بلد المخلفات الخطرة والسامة، حيث استغلت عصابات المافيا منذ عقود طويلة من الزمن أراضي هذه المدينة لدفن المخلفات الخطرة بطرقٍ سرية غير مشروعة، أو استعمالها لحرق هذه المخلفات السامة والخطرة، حتى أن هذه المدينة تقع ضمن مجموعة من المدن أُطلق عليها بمثلث الموت، فسكان هذه المدن بسبب هذه المخلفات يعانون من الموت المبكر نتيجة لإصابتهم بأمراض السرطان والأسقام والعلل المستعصية الأخرى.


 


ولذلك كان لا بد من البابا أن يتطرق في خطابه إلى هذه المعاناة اليومية لسكان هذه المدينة، ويخصص نصيباً وافراً من كلمته لعلاج جرُح الناس العميق، والدعوة لهم للشفاء من الأمراض الناجمة عن دفن المخلفات الخطرة تحت أقدامهم، حيث قال: "حُبُ الله يعني تقدير واحترام الحياة، والبيئة، والطبيعة"، وأضاف: "وعلينا أن نتحلى بالشجاعة لنقول لا لكل أشكال الفساد والأعمال غير الشرعية".


 


وحقيقة الأمر فإن قضية التخلص من المخلفات الخطرة بطرقٍ غير شرعية ليست من معاناة هذه المدينة الإيطالية فحسب، وإنما هي آفة خطرة معدية تُهدد حياة الملايين من البشر، وبخاصة في الدول النامية الفقيرة والمستضعفة، حيث تَستغل عصابات المافيا والجماعات الإجرامية المـُـنَظمة فِقْر هذه الدول، وضعف تشريعاتها، وسعة ضمائر بعض قادتها في تهريب ونقل المخلفات السامة والمشعة من الدول الصناعية الكبرى في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية إلى الدول الأفريقية بصفةٍ خاصة، وبعض دول شرق آسيا.


 


وهناك الكثير من الفضائح التي كشفتها وسائل الإعلام حول المتاجرة غير الشرعية في المخلفات الخطرة منذ حقبة الثمانينيات من القرن المنصرم وحتى يومنا هذا. وآخر هذه الفضائح كانت تدور أحداثها في بريطانيا، حيث رَحلتْ إحدى السفن من ميناءٍ في جنوب إنجلترا في نوفمبر 2011 وهي مـُحملة بشحنة من المخلفات مكتوب عليها "مواد يمكن تدويرها"، وعند وصولها في نهاية رحلتها الطويلة التي بلغت أكثر من عشرة آلاف كيلومتر إلى جاكرتا بأندونيسيا، تم اكتشاف أمرها وزَيْف العلامة الموجودة على الشحنة، فقامت السلطات الأندونيسية بإرجاع الشحنة إلى حيث أتت فوصلت إلى مَسْقط رأسها في مايو 2012، وحالياً تواجه أربع شركات تهمة التهريب والنقل غير الشرعي للمخلفات. 


 


ولذلك فهي فعلاً قضية حية واقعية تعاني منها شعوب كثيرة، المتطورة منها والنامية، الغنية منها والفقيرة، مما يحتم علينا تقييم وضع المخلفات في بلادنا من حيث أحجام هذه المخلفات المتكدسة على أرض بعض المصانع، والتأكد من كيفية التخلص من المخلفات التي ستنجم عن المصانع الجديدة.


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق