الخميس، 14 أغسطس 2014

رشوة لتصدير المخلفات إِلَينا



قبل أيام نشرتُ مقالاً تحت عنوان"رشوة بيئية"، حيث تطرقت إلى قضية التخلص من المخلفات الخطرة والمشعة والتي تُعد الآن كابوساً مرعباً يُراود المعنيين في الدول الغربية من علماء ورجال سياسية، فهي تحولت إلى حلمٍ مزعج ينزل عليهم في نومهم ويقظتهم، فهم لا يجدون ملجأً آمناً ومخبئاً سليماً لتخزين ودفن ملايين الأطنان من هذه المخلفات التي تكدست في مواقع مختلفة وباتت تـُهدد حياة الملايين من البشر في هذه الدول الصناعية الكبرى.

فاضطرت هذه الدول إلى تقديم "الرشاوى المالية" للمواطنين وتحفيزهم وتشجيعهم وإغرائهم بالمال للموافقة على دفن هذه المخلفات في مدنهم وقراهم بشكلٍ رسمي مقنن ومدروس.

واليوم أقفُ معكم أمام نوعٍ آخر من الرشاوى الحقيقية وليست المجازية التي تحاول بعض الشركات وعصابات المافيا والجماعات الإجرامية المنظمة استخدامها لشراء ضمائر بعض الناس في الحكومات من أجل نقل هذه المخلفات سراً وفي جنح الليل إلى أراضيهم، أو تقديم تصاريح "غير رسمية" ومزورة لتصدير هذه المخلفات السامة والخطرة إلى دولهم.

فقد نقلت صحيفة الجارديان البريطانية في الأول من أغسطس خبراً من أروقة المحاكم البريطانية تحت عنوان:"رجل أعمال يُقدم رشوة لمسئولين أجانب لاستيراد مواد كيميائية سامة"، حيث جاء في الخبر أن بعض المسئولين التنفيذيين في شركة إينوسبك الصناعية(Innospec) في مدينة تيشر(Cheshire) ببريطانيا اعترفوا بقيامهم بتحويل ملايين الجنيهات الإسترلينية وصلت إلى قرابة 17 مليون كرشوة لمسئولين أجانب للموافقة على التعامل مع مخلفات صلبة شديدة السمية وممنوعة في الدول الغربية لنقلها أخيراً إلى دول العالم الثالث الفقيرة، مثل اندونيسيا والعراق وفنزويلا ودولة جنوب أفريقيا.

هذه المخلفات ناجمة عن صناعة رباعي إيثيل الرصاص(tetraethyl lead)، وهي المادة الكيميائية الممنوعة دولياً الآن، والتي كانت تُستخدم في الماضي التليد كمُضافات لرَفْع رقم الأكتان في الجازولين المستخدم في السيارات وتحسين أداء المحرك، وتُعرف هذه المخلفات منذ أكثر من خمسين عاماً بخطورتها الشديدة وسُميتها العالية، وبخاصة على الأطفال لأنها تحتوي على عنصر الرصاص الذي لا يتحلل وله القدرة على التراكم في مكونات البيئة وفي أعضاء جسم الإنسان، حيث يُعرض الناس لمخاطر صحية كثيرة، منها خفض مستوى الذكاء عند الأطفال، وإحداثِ تلفٍ في خلايا المخ، وتغيير السلوكيات ورفع مستوى العنف وارتكاب الجرائم عند الشباب.

وقد تم الكشف عن هذه الفضيحة الأخلاقية، والعمل اللاإنساني، والجريمة البيئية والصحية عن طريق فريقٍ سري متخصص تَابَع هذه القضية لمدة سبع سنوات، وحَقَّق فيها بمهنية عالية وسرية تامة في جميع ملابساتها وخفاياها حتى حصل على الدليل القطعي بالوثائق والحقائق الثابتة التي لا يمكن إنكارها.

وجدير بالذكر فإن هذه القضية ليست الأولى من نوعها في بريطانيا أو دول صناعية أخرى، فقد تم الكشف في السنوات الماضية عن قضايا فساد بيئي وأخلاقي أخرى في الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبية، مما يؤكد لنا أنها قضية "حيوية ومتجددة" لن تنتهي قريباً، فالمخلفات الخطرة والمشعة تتراكم كل يوم في الدول الصناعية وتتكدس على أراضيها، ولا بد من إدارتها والتعامل معه بطريقةٍ أو أخرى، وقد تلجأ في بعض الحالات إلى الطرق غير الشرعية والسرية كالتهريب الخفي في ظلمات الليل، أو النقل أمام أعين الناس تحت مسميات مختلفة شرعية ولا غبار عليها، ولذلك فالحذر واجب من مثل هذه الممارسات والأعمال الإجرامية، ولا بد من فتح أعيننا وآذاننا والتأكد من صحة وسلامة كل شحنة تصل إلى أرضنا.    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق