الخميس، 28 أغسطس 2014

وأخيراً رَضَختْ الصين لهموم البيئة



بعد عقودٍ طويلةٍ من النمو الاقتصادي الأحادي الجانب، والذي ركز فقط على البعد الاقتصادي البحت، ووجه جُل اهتمامه ورعايته إلى رفع الـ جي دي بي، أو الناتج المحلي الإجمالي، اقتنعتْ الصين بأن هذا النمط من التنمية غير مستدام، أي أن هذا النوع من التنمية لن يستمر طويلاً، وسيأتي اليوم الذي سيتوقف فيه ويصيبه الشلل الكلي فيسقط جثة هامدة ميتة.

ولذلك تَنَبَهتْ الصين إلى هذه السياسة التنموية المعوقة غير الرشيدة التي كانت تُبصر بعينٍ واحدة وضَحتْ بكل شيء من أجل تحقيق الرفاه الاقتصادي، فأخذت تتراجع عنها في الوقت المناسب قبل فوات الأوان، فهناك الكثير من المؤشرات الواقعية التي ظهرت في السنوات الماضية وانكشفت أمام الناس بكل جلاءٍ ووضوح بحيث لا يمكن تجاهلها وغض الطرف عنها، مما أجبرت الحكومة الصينية إلى إجراء محاسبة شاملة وكاملة لسياساتها واستراتيجياتها  في النمو.

وأستطيع أن أُلخص هذه المؤشرات في عدة قطاعات، منها مؤشرات تدخل ضمن القطاع البيئي والصحي، وأخرى مؤشرات اقتصادية واجتماعية، ومن أخطر هذه المؤشرات والتي كان لها الأثر الملموس في تحريك الحكومة الصينية ودفعها نحو تغيير سياساتها هي المتعلقة بالجانب السياسي والأمني.

أما المؤشر البيئي فقد تمثل في تدمير شاملٍ وعلى نطاقٍ واسع لكافة مكونات البيئة الحية وغير الحياة، من هواءٍ ومياهٍ سطحية وجوفية وتربة وحياة فطرية نباتية وحيوانية، فلم يبق شبر من الصين إلا وتسمم بالمواد الكيميائية الخطرة، ولم تبق بقعة صغيرة أو كبيرة، قريبة من مصادر التلوث أو بعيدة عنها إلا وأصابها داء التلوث. فقد جاء في التقرير الحكومي الذي قامت بإعداده وزارة حماية البيئة بالتعاون مع وزارة الأرض والموارد في الصين، أن معظم الأراضي تلوثت بالعناصر الثقيلة والملوثات العضوية وأصبحت غير صالحة للزراعة، فقد أكد أن 19.4% من الأراضي الزراعية، أي نحو 3.33 مليون هكتار، مسمومة بملوثات خطرة تهدد صحة الإنسان والكائنات الفطرية النباتية والحيوانية ، وانعكس هذا التلوث على نوعية المحاصيل وجودتها وصلاحيتها لاستهلاك الإنسان، فزهاء 12 مليون طنٍ من الحبوب والرز التي تم إنتاجها كانت مسمومة بهذه الملوثات، مما يعني أن المواطن الصيني كان يأكل طوال السنوات الماضية حبوباً ورزاً مسموماً، إضافة إلى ملايين البشر في الدول الأخرى التي كانت تستورد هذه المحاصيل الصينية. وعلاوة على هذا التدهور الشديد للتربة، فقد أكد التقرير على أن نحو 60% من المياه الجوفية مسمومة وغير صالحة للشرب والاستهلاك الآدمي أو الحيواني أو النباتي، إضافة إلى أن 85% من أنهار الصين غير صالحة للشرب.

وعلاوة على تلوث التربة والمياه، فإن صحة الهواء الجوي أكثر تدهوراً وأشد فساداً منهما، فحوادث تلوث الهواء في المدن الصينية الكبرى نشهدها كل يوم، ووسائل الإعلام الصينية وغير الصينية غطت هذه القضية بكل إسهابٍ وتفصيل، حتى تم وصف الهواء في هذه المدن بأنه "الأشد تهديداً لصحة الناس".

هذا المؤشر البيئي الخطير انعكس بشكلٍ مباشر ومفضوح على الأمن الصحي للصينيين، حيث اعترفت التقارير الحكومية عن وجود نحو 400 قرية سرطانية، أي ترتفع فيها مستويات الإصابة بالسرطان.

وقد انفجرت تداعيات المؤشرات البيئية والصحية في وجه الحكومة الصينية المركزية لأنها بلغت درجة رهيبة مأساوية لا يمكن السكوت عنها أو تجاهلها، فثار الشعب الصيني على سياسات حكومته، وقام بمظاهرات عفوية عارمة في شتى المدن الصينية، وتحولت البعض من هذه الاحتجاجات إلى ساحة عنفٍ وشغبٍ وتخريب، وأدى إلى حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني.

وهذا الوضع الأمني الذي هدد استقرار الصين هو الذي دفع الحزب الشيوعي إلى تبني سياسات جديدة تضع للبيئة اعتباراً ولهمومها اهتماماً، فقد أعلن رئيس الوزراء الصيني(Li Keqiang) في مارس 2014 ولأول مرة في تاريخ الصين في خطابه أمام مجلس الشعب الوطني الصيني "الحرب على التلوث"، وخصص مبلغاً مالياً قدره 270 بليون دولار على مدار خمس سنوات لتحسين نوعية الهواء.

ونحن في البحرين فقد سِرنا على نهج الصين القديم في التنمية، ولذلك فالمياه الجوفية تحولت إلى ملحٍ أجاج وعيوننا جفت ونضبت، والبحر أصبح عملة صعبة وكائناته الحية ضاقت بها الحياة، والهواء تشبع بجسمه بعض الملوثات، والناس في قلقٍ شديد ودائم حول تدهور صحة بيئتنا، فهل نُعلن نحن أيضاً الحرب على التلوث كما فعلت الصين؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق