الجمعة، 10 أبريل 2015

مقال في مجلة الإيكونُومِست



الإيكونومست، أو الاقتصادي، مجلة أسبوعية مرموقة تصدر في لندن منذ عام 1843 وتهتم أساساً بالجانب الاقتصادي على المستوى الدولي، إضافة إلى تغطية أخبار العالم والسياسة والأعمال، وتستهدف الجمهور المتعلم والمثقف، ورجال الاقتصاد والسياسة وواضعي القرار.

فإذا كانت هذه هي أهداف المجلة وقراؤها، فلماذا تنشر مواضيع بيئية يعتبرها الكثير من رجال المال والاقتصاد بأنها هامشية وثانوية ولا تدخل ضمن اختصاصهم وشؤونهم وهمومهم اليومية، وهموم عامة الناس ودول العالم، ولا علاقة لها بعَالَم المال والاقتصاد، وبخاصة إذا كان هذا الموضوع شديد التخصص وجاءتحت عنوان "الكائنات الغازية"، أي الكائنات الحية النباتية والحيوانية التي تستوطن وتعيش في بيئات جديدة وغريبة عليها، غير البيئات التي وُلدت فيها وترعرعت عليها وكانت جزءاً مهماً وفاعلاً من النظام البيئي في تلك المنطقة.

فما علاقة قُراء مجلة النُخبة والمثقفين بقضايا البيئة والحياة الفطرية، وبالتحديد غزو الكائنات النباتية والحيوانية لبيئاتٍ جديدة؟

فنَشر المجلة في العدد الصادر في 28 مارس من العام الجاري مقالاً تحت عنوان "الأنواع الغازية"، يؤكد بأن هذا الموضوع ذا أهمية للقراء والمطلعين على هذه المجلة، ولا بد أنه يُشكل هاجساً عند الكثيرين، ويؤثر عليهم بطريقةٍ أو بأخرى.

فمن المعروف الآن أن قضية غزو الكائنات الحية النباتية والحيوانية لبيئات غريبة عليها والاستيطان فيها، لا تُعد قضية بيئية بحتة يهتم بها العلماء المختصون، ويتباحث حولها رجال ونشطاء البيئة فحسب، وإنما تحولت مع الأيام ومع تفاقم تأثيراتها ووضوح تداعياتها وانعكاساتها الخطرة على المجتمع برمته إلى همٍ اقتصادي كبير يُقلق بال رجال الأعمال والاقتصاد من جهة، ويشكل كابوساً مرعباً يشغل فِكْرَ واهتمام رجال السياسة ومتخذي القرار للعمل على ايجاد الحلول المناسبة والمستدامة لها.

ومن أفضل الأمثلة يمكن ضربها وأكثرها واقعية للاستشهاد بالتهديدات الاقتصادية التي تنجم عن هذه الكائنات الحية الأجنبية الغازية هي سمكة الشبوط أو المعروفة بالكارب الآسيوي(Asian carp) التي هاجرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

فالولايات المتحدة الأمريكية في السبعينيات من القرن المنصرم عندما كانت الظاهرة غير معروفة وأبعادها غير معلومة، وَقَعَتْ في فخ هذه المشكلة البيئية الدولية، حيث قامت طواعية بإعطاء تأشيرة دخول مفتوحة لهذه السمكة الأجنبية الغريبة على البيئات المحلية، ثم توطينها ومنحها الجنسية الأمريكية وذلك من أجل تربيتها وإكثارها في مزارع الأسماك الواقعة على نهر ميسيسيبي العظيم. ولكن مع الوقت لم يمكث هذا المهاجر الجديد في موقعه، ولم يبق هذا المستوطن الأجنبي في مكانه، وإنما بدأ في دخول بيئات أخرى غريبة عليه، وبالتحديد نهر ميسيسيبي، فعندما يثور النهر، يفيض ماؤه إلى مزارع الأسماك فتختلط الأسماك الموجودة في هذه المزارع كسمكة الكارب الآسيوي بأسماك النهر الفطرية الأصلية، وهكذا بدأت بالعيش والتكاثر في هذه البيئة الجديدة، ثم مع الزمن انتقلت إلى بيئات نهرية أخرى حتى وصلت إلى بيئة البحيرات العظمى، فأوقعت خسائر عظيمة للثروة السمكية والتوازن البيئي في تلك البحيرات. فاضطرت أمريكا إلى تنظيم مؤتمرٍ خاصة لمناقشة تداعيات تجنيس هذه السمكة على أمريكا في فبراير 2010، وأُطلق عليه بقِمة سمكة الكارب(Asian Carp Summit)، ثم بعد القمة قررت إدارة أوباما صرف 80 مليون دولار لمعالجة هذه المشكلة الخطيرة والتحكم في انتشار السمكة في بيئات جديدة، كما قررت وزارة الداخلية سحب الجنسية والإقامة الدائمة لهذه السمكة وتصنيفها كسمكة ” غازية“. بل وإن هذه السمكة أصبحت مطلوبة حية أو ميتة، ووُضِعت مبالغ مالية مجزية لمن يتمكن من أسرها واصطيادها، كما نَظمت الجهات المعنية سباقاً سنوياً وخصصت جوائز كبيرة لمن يصطاد أكبر عددٍ ممكن من هذه السمكة.

وعلاوة على ذلك كله قام الكونجرس في يوليو 2012بتكليف هيئة مهندسي الجيش الأمريكي(Army Corps of Engineers) بإعداد تقريرٍ مفصلٍ عن هذه القضية، وجاء فيه أن علاج هذه القضية بشكلٍ فاعلٍ يُكلف أمريكا قرابة 18.4 بليون دولار، ويستغرق تنفيذه نحو 25 عاماً، وبالرغم من هذه الكلفة العالية إلا أن التقرير أفاد بأن العلاج المقترح لن يعطي ضماناً كاملاً لمنع غزو هذه السمكة كلياً!

وربما نحن في البحرين تعرضنا على مستوى أصغر وأقل تهديداً وخطورة لظاهرة النباتات الغازية، وبالتحديد بالنسبة لشجرة "الكوناكبرس"، أو المعروفة محلياً بـ "الصاروخ" لسرعة نموها وخضرتها الدائمة، حيث تمت زراعتها في الكثير من الحدائق والمنازل، ثم تبين مع الوقت تدميرها لقواعد وأساس المنازل، ودخولها وسدها لأنابيب المياه ومياه المجاري بحثاً عن الماء.

وبالتالي لا بد من أخذ الحذر والحيطة عند إدخال أي كائنٍ حي نباتي كان أم حيواني إلى بيئتنا المحلية، والتأكد من أنه لا يسبب مشكلات لنا، أو لبيئتنا وحياتها الفطرية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق