الخميس، 23 أبريل 2015

مُحاكمة أوباما



الكثير من الحوادث والمناوشات السياسية التي تقع في الولايات المتحدة الأمريكية هي في الحقيقة ليست شأناً داخلياً أمريكياً فحسب، وإنما هي في الوقت نفسه لها انعكاسات على كل فردٍ وعلى كل إنسانٍ في حد ذاته، ولها تأثيرات سلبية أو إيجابية على الكرة الأرضية برمتها، ولذلك لا بد من مراقبة هذه القضايا الأمريكية التي تبدو لأول وهلة وفي ظاهرها أموراً داخلية، فنعمل على متابعة ملابساتها وحيثياتها وما تنجم عنها من قرارات وسياسات وإجراءات.

وأُقدم لكم هنا مثالاً واقعياً أراهُ أمامي اليوم، وفصوله ومشاهده تزداد سخونة مع الوقت، لكي أُثبتْ وأؤكد لكم على أن بعض القضايا ذات الشأن الأمريكي الداخلي تؤثر سلباً أو ايجاباً على الشأن الدولي عامة، وعلى صحة وأمن كوكبنا، ولا أبالغ عندما أقول بأن انعكاساتها وتأثيراتها تَطَالُ أيضاً الإنسان البسيط العادي في البحرين وفي الدول الأخرى.

فقضية التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الأرض برمتها والمردودات الخطيرة التي تنجم عن هذه الظاهرة، سواء أكانت بيئية، أو صحية، أو اقتصادية، أو اجتماعية، أو أمنية، فإن الولايات المتحدة الأمريكية أولاً والدول الغربية الصناعية ثانياً هي المتهمة منذ أكثر من مائة عام عن نشؤها، وهي المسؤولة عن استمرار تفاقمها وازدياد حدة وتيرتها يوماً بعد يوم.

فالولايات المتحدة الأمريكية ومعها دول أوروبا التي بدأت بالثورة الصناعية هي التي تُلقي سمومها وتُطلقها دون حسيبٍ أو رقيب إلى الهواء الجوي، والتي تنجم عن حرق الوقود، وبخاصة الفحم في محطات توليد الكهرباء والمصانع وغيرهما، وهي التي تَنْبعث عن سياراتها وطائراتها وقطاراتها ملايين الأطنان من الملوثات التي ترفع درجة حرارة كوكبنا، ولذلك على هذه الدول المسؤولية الأخلاقية في علاج هذه القضية، وعليها يقع العبء الأكبر في ايجاد وتنفيذ الحلول المناسبة لإيقاف هذا التدهور الشديد لصحة بيئتنا، والتدمير الممنهج لكافة مكوناتها وعناصرها في كل بقعة من بقاع الأرض، صغيرةٍ كانت أم كبيرة، بعيدةٍ كانت أم قريبة.

وهذا يؤكد أن هذه الممارسات البيئية الخاطئة التي تحدث في أمريكا لا تؤثر على أمريكا أو شعبها فحسب، وإنما تؤثر على المواطن البحريني، وكل فرد يعيش على هذا الكوكب، وبالتالي فإن سياسات أمريكا الإيجابية أو السلبية تجاه هذه القضية لها انعكاسات على الجميع.

فالرئيس أوباما يواجه الآن معارك محتدمة وعنيفة على عدة جبهات بالنسبة لسياساته المتعلقة بالتغير المناخي، فتارة تدور رِحى هذه المعارك في البيت التشريعي لأمريكا وهو الكونجرس، حيث يقف الجمهوريون بالمرصاد أمام أي تشريعٍ أو تنظيمٍ يقترحه أوباما والحزب الديمقراطي لمواجهة التغير المناخي وخفض نسبة انبعاث الملوثات من محطات توليد الطاقة بهدف خفض نسبة ارتفاع درجة حرارة الأرض، واليوم تنتقل المعركة إلى ساحةٍ جديدة أخرى هي أروقة المحاكم ولأول مرة، فيقفُ الرئيس الأمريكي في قفص الاتهام في احدى المحاكم الاتحادية، وبالتحديد في محكمة استئنافٍ اتحادية في مقاطعة كولومبيا، أو العاصمة واشنطن، حيث يُحدد مصير تشريعاته وسياساته في مجال التغير المناخي ثلاثة قضاة فيدراليين.

فأوباما ستنتهي ولاية حكمه في عام 2016،ولم ينجح حتى الآن في تحقيق انجازٍ مشهودٍ وملموس يذكره الناس ويخلده التاريخ الأمريكي، ولم يتمكن حتى يومنا هذا في وضع بصماته المحفورة في ذاكرة أمريكا والعالم، فقد حاول في قضية التأمين الصحي الشامل للمواطن الأمريكي وتعثر مشروعه، ويحاول الآن في عقد صفقة نووية تاريخية مع إيران ولم تفلح جهوده كاملة، ولذلك يسعى إلى تخليد ذكره من خلال قيادة العالم في الوصول إلى أول اتفاقية دولية تُلزم دول العالم أجمع على خفض انبعاثاتها من الغازات المعنية برفع درجة حرارة الأرض، فهو يمهد الطريق لنفسه من الآن لقمة باريس حول التغير المناخي والتي ستعقد في ديسمبر من العام الجاري. 

فهل سينجح أوباما في مشروعه الجديد، وبخاصة أن الجمهوريين يُشكلون أمامه جبلاً راسخاً وشاهقاً يصعب الركوب عليه وتخطيه، فهم يحاربونه على كافة الجبهات الإدارية والتشريعية والقضائية، ولكن إذا نجحت جهوده وأثمرت مساعيه الداخلية والخارجية، فإن تأثيراتها الايجابية ستنعكس علينا في البحرين، وعلى كوكب الأرض، وعلى كل كائنٍ حي يعيش عليه.    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق