الأحد، 19 أبريل 2015

سجائر الماريجوانا ستدخل منازلنا


التاريخ يُعيد نفسه، فسجائر التبغ عندما بدأتْ تغزو أسواقنا ومنازلنا ومكاتبنا منذ نهاية القرن التاسع عشر، كانت تُقدَّمُ لنا بأنها رمز للشباب والحيوية والنشاط، ودليل على الرجولة والقوة والصلابة، كما تَمثَل ذلك في الدعاية الأمريكية المشهورة لسيجارة مالبورو، وهي تبين صورة راعي البقر الشديد والصلب والشجاع وهو يمتطي حصانه بهدوءٍ واطمئنان، ويبدأ في إشعال سيجارة مالبورو، وفي الوقت نفسه أقنعت شركات التبغ الشيطانية والقاتلة للنفس البشرية أن التدخين يُولِّد الراحة والسكينة لدى المدخن، ويُدخل نفسيته في فترةٍ من الاسترخاء والدعة والطمأنينة، ويعالجه من آلام وحالات القلق والاكتئاب والضيق النفسي، ويَحْمل عنه مشقة الحياة وقسوتها أثناء تدخين هذه السيجارة.


 


وبعد سنواتٍ عجافٍ طويلة من هذه الخدعة الكبرى، والهم المصطنع، والكذبة العظيمة التي ذهب ضحيتها الملايين من شبابنا وأطفالنا، فأكلت أجسامهم وأفسدت صحتهم، تأكد وبعد نحو خمسين عاماً بأن التدخين هو رأس البلاء، وهو الفتنة المدمرة، وهو أساس عشرات الأنواع المختلفة من الأمراض الفتاكة والمهلكة للإنسان، وفي مقدمة هذه الأمراض المستعصية السرطان، كسرطان الرئة، والقولون، والكبد، والمثانة، والعنق، والثدي، وأمراض الجهاز التنفسي، وأمراض القلب المزمنة، ومرض السكري من النوع الثاني، والسل، وضعف الجهاز المناعي، وأمراض والتهابات المفاصل، وفقدان البصر، إضافة إلى الولادة المبكرة وانخفاض وزن الجنين وولادة أولاد معوقين ومشوهين خَلْقياً بالنسبة للمرأة الحامل التي تدخن، أو التي تتعرض بشكلٍ مستمر للملوثات التي تنطلق من المدخنين أثناء الجلوس معهم.

 


واليوم أَجِدُ نفسي أمام مشهدٍ مطابق لهذا المشهد القديم، فأَقِفُ أُشاهد مسرحية قديمة بالية ولكن بوجهٍ جديد، وبإنتاجٍ عصري حديث، وبأسلوب مقنن عالي الجودة، فالآن نحن نواجه منتجاً جديداً، وتحت مسمى حديث يُغري الناس ويجعلهم يقعون في شباكه الملتوية والسامة التي لا يمكن الخروج منها.


 


والغريب أن كبريات المحطات الإخبارية والإعلامية تُروج لمثل هذه المنتجات السامة، وتعمل كأداة تسويقية تشجع الشباب وتحفزهم على شرائها واستخدامها، وتُبرر لهم ذلك بأسلوبٍ علمي وطبي ومن خلال تصريحات وشهادات للعلماء والأطباء، فقد نشرت محطة الـ سي إِن إِن على صفحتها في الإنترنت في 16 أبريل مقالاً لأحد الأطباء تحت عنوان: "حَانَ الوقت لثورة الماريجوانا الطبية"، ويؤكد المقال على أن "المريجوانا الطبية"، أو "الماريوانا"، أو "الحشيش"، له فوائد طبية علاجية كثيرة فهو يُستخدم لعلاج سبع حالات مرضية منها حالات الصرع والتشنجات، والالتهابات، وحالات فقدان الذاكرة للمصابين بمرض الزهايمر، وعلاج آلام العضلات، وبعض أمراض السرطان والإيدز.


 


وقد أتت مثل هذه المقالات أُكلها، فقد وقع الشعب الأمريكي في الفخ المنصوب له، حيث ارتفع عدد الأمريكيين الموافقين على استخدام المرجوانا لأغراض التسلية والترويح عن النفس من 12% عام 1969 إلى 53% عام 2014، كما زاد عدد المؤيدين لاستخدامه لأغراض طبية إلى77%.


 


وهنا بدأت شركات التبغ الكبيرة القاتلة للبشرية تدخل على الخط، وأخذت تمد ذراعها الخبيث لتلج رويداً رويدا في أسواق هذا النوع الجديد من المنتجات، فالشعب الأمريكي مستعد الآن لتقبله واستخدامه، أي أن الطلب سيكون موجوداً ومتزايداً مع الوقت لمثل هذا المنتج، كذلك فإن القوانين والتشريعات في بعض الولايات تسمح بتسويقه وتقنين استعماله، وكل ذلك يؤكد أن الفرصة متاحة جداً والطريق ممهد كلياً لسفاكي دماء البشر لإنتاج هذه البضاعة على المستوى الواسع والكبير والاتجار فيها أولاً على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية، ثم بعد ذلك من خلال اتفاقيات التجارة الحرة، أو الاتفاقيات الثنائية بين أمريكا ودول أخرى سيدخل هذا المنتج إلى العالمين، كما حدث بالفعل بالنسبة لسجائر التبغ بأنواعها المختلفة التي دخلت كل دولة من دول العالم، بل ودخلت كل بيتٍ فقيرٍ أو غني بدون استثناء. 


 


ومن أجل ذلك ستقوم شركات الفساد والدمار باستنفار كل إمكاناتها وقواها الشرعية وغير الشرعية وستُنفق الملايين على رجال الإعلام بمختلف تخصصاتهم ومهنهم، ورجال القانون في الكونجرس والمواقع الأخرى، ورجال العلم والأدب، والأطباء، وأخصائي التسويق والدعاية لكي يُسخر كل واحد منهم وظيفته وعلمه وتخصصه لتحسين هذا المنتج، وإظهاره بالمنظر الجميل الجذاب لكافة الفئات العمرية وللذكر والأنثى على حدٍ سواء، ووضع كافة أنواع المساحيق التجميلية على وجهه.


 


ولذلك فإنني أحذر وأنبه دولنا إلى أخذ الحيطة والإجراءات الوقائية اللازمة لمنع هذه الآفة الجديدة، وعدم السماح لها في دخول بلادنا وبيوتنا كما سمحنا من قبل لسجائر التبغ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق