السبت، 4 أبريل 2015

حتى الجنين في رَحِم أمه لم يسلم من التلوث!


خطر التلوث لم ينزل على البيئة ومكوناتها من ماءٍ وهواءٍ وتربة فحسب، ولم يلحق بالإنسان نفسه فقط، وإنما بلغ تهديد الملوثات صحة الأجنة وهن في أرحام أمهاتهن! فالتهديد الصحي وصل إلى مخ الجنين وأثر على درجة نموه وتطوره وتكوينه أثناء فترة حمل الأم به. 

 

فمن يتصور، أو يتخيل أن الجنين وهو في الرحم قد يصيبه داء التلوث المعدي، ويتعرض للملوثات الموجودة في البيئات الخارجية من المصانع والسيارات ومحطات توليد الكهرباء، بل ويصاب بالأسقام والأمراض العضال التي تنزل على الكبار، فهذه البيئة الصغيرة الهادئة والمظلمة التي هي رحم الأم وعبارة عن عضوٍ مجوف ذي جدارٍ عضلي سميك، وحجمه لا يتعدى عشرة سنتيمترات مكعبة ووزنه نحو 180 جراماً، من المفروض أن يكون من أكثر البيئات في بطن الأم أماناً، وأشدها سلامة واستقراراً، وأبعدها عن كل المؤثرات والمتغيرات الخارجية.

 

فحتى هذه البيئة الصغيرة والمخفية في داخل أحشاء الأم لم تسلم من شر الملوثات التي تعبث ببيئتنا وبصحتنا وتأكل أعضاء أطفالنا وشبابنا وكبارنا، فقد أكدت دراسة أمريكية أن الأطفال المولودين في مناطق حضرية بالقرب من مصادر التلوث كالشوارع المكتظة بالسيارات، والمصانع، والمدخنين، تنخفض عندهم نسبة المادة البيضاء الموجودة في الجزء الشمالي من المخ، ويعانون نتيجة لذلك من مشكلات سلوكية، ويقومون بتصرفات غير عادية وغير مألوفة وعدوانية في بعض الأحيان، كما يُصابون بضعفٍ عام في الفهم والإدراك، ويتصفون بالنشاط الزائد والمفرط.

 

 فقد قامت هذه الدراسة التي أُجريت في مدينة نيويورك بولاية نيويورك الأمريكية بقياس تعرض 655 من الأمهات الحوامل لمجموعة من الملوثات الخطرة والسامة التي تنتج عادةً من الحرق غير الكامل للوقود الأحفوري، أو حرق المواد العضوية بشكلٍ عام، مثل الجازولين في السيارات، والديزل في محركات الديزل والمولدات والسيارات، وحرق التبغ في السجائر والشيشة وغيرهما أثناء التدخين، وهذه المجموعة من الملوثات يُطلق عليها بالمركبات العطرية متعددة الحلقات، والبعض منها يسبب السرطان للإنسان، وبالتحديد مركب البنزوبيرين.

 

وهذه الدراسة المنشورة في 25 مارس من العام الجاري في مجلة طب الأمراض العقلية التابعة لجمعية الأطباء الأمريكيين، قامت أيضاً بإجراء فحوصات مستقلة محددة على الأطفال بعد الولادة لقياس قدراتهم الذهنية والعقلية والسلوكية، ومنها فحص تركيب المخ عن طريق أشعة الـ إم آر آي المعروفة للمخ. وأثبتت هذه الدراسة أن المادة البيضاء التي هي جزء أساس من النظام العصبي المركزي قد تلاشت وانخفضت بدرجة ملموسة وملحوظة في المنطقة أو الجزء الشمالي والأجزاء الأخرى للمخ، وهو الجزء الذي تحدث فيه العمليات الحسابية والعقلية وتخزن فيه المعلومات، وتحكم في اللغة والإدراك والقدرات العقلية والذهنية بشكلٍ عام، كما أفادت الدراسة أن هناك علاقة طردية بين تعرض الأم الحامل للملوثات ونمو وحجم المساحة البيضاء، فكلما زاد تعرض الأم للتلوث زادت درجة انخفاض المادة البيضاء. 

 

وهذه الدراسة تؤكد على التهديد العام والمزمن الذي يشكله تلوث الهواء لصحة الإنسان، صغيراً كان أم كبيراً، وهي في بيئة رحم أمه، أم كان في البيئة الخارجية، ولذلك جاءت تحذيرات منظمة الصحة العالمية متوافقة مع هذه الدراسة، وآلاف الأبحاث الأخرى التي أجمعت على هذه الحقيقة، حيث صنَّفت المنظمة الهواء الجوي بأنه مسرطن للإنسان، كما أكدت في التقرير المنشور في مارس من العام الجاري على أن الهواء الجوي يسبب في هلاك قرابة سبعة ملايين إنسان سنوياً ويؤدي إلى الإصابة بالكثير من الأمراض المزمنة والمستعصية، منها أمراض السرطان، ومرض السكري، والولادة المبكرة وغير الطبيعية وإصابة الجنين بتشوهات خَلقية وإعاقات بدنية وعقلية، إضافة إلى أمراض القلب والجهاز التنفسي التي لا تُعد ولا تحصى.

 

والآن ألا تكفي هذه الدراسات وهذه التحذيرات الواضحة التي لا لبس فيها من منظمة الصحة العالمية لكي نتحرك سريعاً وبخطواتٍ حازمة وثابتة وقوية لمنع دخول الملوثات في بيئتنا؟   

   

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق