الثلاثاء، 31 مارس 2015

الملوثات أداة فاعلة لإرهاب الحكومات


استَلمتْ شركة فونتيرا(Fonterra) النيوزلندية العملاقة المعروفة بإنتاجها للحليب ومشتقاته طرداً غريباً ومشبوهاً ليس كباقي الطرود التي تصلها كل يوم، فهذا الطرد كان مجهول الهوية، ومجهول المصدر، ولم يُكتب عليه أي شيء، فقامت على الفور بالاتصال بالجهات الحكومية المعنية بمثل هذه القضايا، وعندما فتحوا هذا المظروف الكبير وجدوا فيه عدة معلبات ورقية مغلقة لا توجد عليها أية معلومات، كما حصلوا على خطابٍ موجهٍ إلى رئيس الشركة.

 

فقام المختصون بحذرٍ وخوفٍ شديدين بفتح الخطاب أولاً وبرفقٍ وأناة للتأكد من خلوه من أي تهديدٍ جسدي للإنسان كالقنابل أو السموم، ثم بعد التثبت من عدم وجود الضرر، شرعوا مباشرة في قراءة محتوى الرسالة، فجاءت كالصاعقة التي نزلت علي نفوسهم، فأربكتهم وأفزعتهم ودقت أجراس الإنذار والهلع في قلوبهم.

 

لقد احتوى الخطاب على تهديدٍ مباشرٍ وصريح لا غموض فيه للمجتمع النيوزلندي برمته،الأطفال والشباب، الصغير والكبير، الغني والفقير، حيث جاء فيه أن العُلب الورقية المرفقة بالخطاب تحتوي على مسحوقٍ لحليب الأطفال، ولكن هذا المسحوق غير صالحٍ للاستهلاك الآدمي، فيدخل في محتواه أحد أخطر الملوثات وأشد السموم هلاكاً للإنسان، وبخاصة للأطفال، وهذا الملوث هو فلوروأسيتيت الصوديم(sodium fluoroacetate).

 

فهذا التهديد الصحي موجه بشكلٍ مباشر إلى الجهات الحكومية المعنية بمكافحة القوارض والآفات، حيث إنها تستخدم الآن المبيد الحشري الشديد السمية المعروف بـ 1080، أوفلوروأسيتيت الصوديم، وهناك فئة كبيرة من المجتمع النيوزلندي تعارض بشدة استعماله في البيئة النيوزلندية، وعلى رأس القائمة الصياديون ونشطاء حماية حقوق الحيوان، ولذلك قامت جهة مجهولة بإرهاب الحكومة وابتزازها باستخدام هذا السلاح الإرهابي الجديد، فأرسلت هذا التهديد الذي مضمونه: "سنقوم بتلويث حليب الأطفال إذا لم تُغير الحكومة مواقفها وسياساتها المتعلقة برش هذا المبيد والمبيدات الأخرى في الأوساط البيئية المختلفة".

 

وقبل أيام تحول هذا التهديد السري إلى خبرٍ علني يعرفه الجميع، وبخاصة عندما أعلنت الشرطة هذا الخبر في مؤتمرٍ صحفي عقده رئيس الوزراء جون كاي(John Key) في مدينة ولينجتون في العاشر من مارس من العام الجاري، ودَعْتْ الجمهور إلى التعاون مع الشرطة والجهات الأمنية الأخرى للإبلاغ عن مرتكبي هذه الجريمة البيئية الصحية التي تهدد الأمن الوطني، وتُلقي الرهبة والهلع في قلوب كافة أفراد المجتمع النيوزلندي.

 

فهذا العمل الإرهابي المتمثل في توظيف آلية جديدة وسلاح حديث هو الملوثات من خلال تلويث مصدرٍ هام وحيوي لغذاء الإنسان، وبالتحديد الأطفال، يُذكرني بقضية المبيدات بكافة أنواعها، سواء أكانت مبيدات حشرية أم مبيدات الأعشاب والآفات، وانتشار هذه المبيدات في الأوساط البيئية الداخلية والخارجية من ماءٍ وهواءٍ وتربة، وانتقالها إلى أعضاء جسم الإنسان والحياة الفطرية، وتهديدها للأمن الصحي لهذه الكائنات الحية، بحيث إنها بلغت الآن درجة من التهديد والخطورة التي يمكن من خلالها القيام بجريمة إرهابية شنيعة.

 

ولذلك حذرت الأمم المتحدة ممثلة في منظمة الصحة العالمية وذراعها العلمي الوكالة الدولية لأبحاث السرطان في 23 مارس من العام الجاري من الاستعمال غير الآمن وغير الرشيد للمبيدات، وبالتحديد خمسة أنواع من مبيدات الأعشاب والمبيدات الحشرية التي نستخدمها يومياً في منازلنا وحدائقنا ومزارعنا ومكاتبنا، وعلى رأسها مبيد الأعشاب راوند أب(Roundup) أو جلافوسات(Glyphosate)، وباراثيون(parathion)، ومالثيون(malathion)، ودايازينون(diazinon)، وتتراكلورفيفوس(tetrachlorvinphos) حيث تم تصنيفها كمادة من الممكن أن تكون "مسرطنة" أي من المحتمل أن تصيب الإنسان بالسرطان عند التعرض لها، وجاء هذا التحذير في التقرير المنشور في المجلة الطبية المعروفة لانست لعلم الأورام(Lancet Oncology)  في 20 مارس من العام الجاري.

 

فالمبيدات التي أصبحنا نستخدمها بطريقة عشوائية ومسرفة وبشكلٍ مستمر للقضاء على الحشرات، هي في الحقيقة تمثل في الوقت نفسه تهديداً لأمننا الصحي، وتُرهب أجسامنا وأنفسنا بالأمراض المستعصية التي يمكن تجنبها بترشيد استخدام المبيدات وعند الحاجة الماسة لها فقط.

 

هناك تعليقان (2):

  1. بورك فيك على هذا المنشور ..
    حضارتنا الحالية فقدت إنسانيتها منذ مدة طويلة .. كل ما يهمها جني الأرباح .. مختبراتها وعلماؤها يعملون على قاعدة "ما هو ممكن علمياً، جائز أخلاقياً".
    أحس بتفهم لحقيقة موقف مرسل التهديد .. بشرط ألا يحول تهديده إلى فعل، لأنه في هذه الحالة يتساوى في الجريمة مع صناع التلوث من أرباب المال .. تحياتي

    ردحذف
  2. بورك فيك على هذا المنشور ..
    حضارتنا الحالية فقدت إنسانيتها منذ مدة طويلة .. كل ما يهمها جني الأرباح .. مختبراتها وعلماؤها يعملون على قاعدة "ما هو ممكن علمياً، جائز أخلاقياً".
    أحس بتفهم لحقيقة موقف مرسل التهديد .. بشرط ألا يحول تهديده إلى فعل، لأنه في هذه الحالة يتساوى في الجريمة مع صناع التلوث من أرباب المال .. تحياتي

    ردحذف