السبت، 7 مارس 2015

كيف نُهيئ البيئة الاستثمارية في البحرين؟


لا شك أن الجميع يقف منبهراً أمام النمو الاقتصادي المشهود الذي حققه الصين خلال العقود القليلة الماضية، ولا ريب أن كل دول العالم تريد أن تقتدي بهذا الأنموذج الصيني العظيم وتحتذي به لتلحق بركب التنمية المتسارع، وتسير بخطى ثابتة وقوية مع قطار النمو على المستويين القومي والدولي.

 

وفي الأيام القليلة الماضية قرأتُ الكثير من التصريحات من قادتنا حول الشروع في تنفيذ إحدى أولويات برنامج عمل الحكومة والمتعلقة بتعزيز وتعميق النمو الاقتصادي لمملكة البحرين من حيث تهيئة البيئة الاستثمارية المناسبة، واستمرار استقطاب كبريات الشركات العالمية من أجل نمو الاستثمار واحتضان الشركات الدولية والشركات متعددة الجنسيات، والقيام بتوفير ودعم كافة عناصر الاستثمار بشكلٍ عام والتي من شأنها تحويل البحرين إلى خيارٍ مفضل لاستقطاب رؤوس الأموال الأجنبية، سواء أكانت في المجال الصناعي أو التجاري أو الخدمي.

 

ولذلك لا بد لنا من الوقوف أمام هذه التجربة الفريدة والخبرة الصينية في النمو الاقتصادي وجذب الاستثمار الخارجي، والذي نعاصره ونشاهده أمامنا الآن، لكي نَتَعرف عن قرب على ايجابيات وسلبيات هذه الخبرة، ثم ننقلها إلى بلادنا التي تسعى اليوم لتكرار تجربة الصين في النمو، فنتجنب هفواتها وزلاتها، ونحقق لبلدنا تنمية مستدامة آمنة ومستقرة، تراعي حقوق البلاد، والعِباد، والشجر، والحجر، والماء، والتربة، والهواء.

 

ولا أريد هنا أن أَكُونَ أنا الحَكَمْ على التجربة الصينية، فربما كلامي لن يكون مسموعاً ولن يُلتفت إليه كثيراً، ولكنني سأرجع إلى تصريحات قادة الصين وكبار المسئولين في الحكومة الصينية بدءاً بالرئيس الصيني، ثم رئيس الوزراء وزعماء آخرون، وأُقدم لكم تقييمهم الشخصي عن تجربتهم، وأهم الأخطاء التي وقعوا فيها وعانوا من تداعياتها.

 

أما الرئيس الصيني كساي جينبينج(Xi Jinping)، فقد شدَّد في 22 يناير من العام الجاري قائلاً: "وأنَّ علينَا أن نتعامل مع البيئة بالطريقة نفسها التي نحافظ فيها على حياتنا، وأن البيئة يجب أن لا تعاني من أجل النمو الاقتصادي". ثم جاءت تصريحات رئيس الوزراء الصيني لي كيكيانج (Li Keqiang) متناغمة ومتطابقة مع تصريحات الرئيس، حيث ألقى كلمة في الخامس من مارس في الاجتماع السنوي الثاني عشر للكونجرس أو المجلس الصيني الشعبي الوطني في العاصمة بكين وأمام 3000 نائب، بَيَّنَ فيها برنامج الحكومة وأهدافها لعام 2014، ولأول مرة حظت البيئة بالأولوية والرعاية والاهتمام إلى جانب النمو الاقتصادي، حيث "أعلن الحرب على التلوث البيئي" قائلاً: "التلوث مشكلة رئيسة، والحكومة ستعلن الحرب على الضباب الملوث للهواء في المدن من خلال التخلص من السيارات الملوثة للبيئة وإغلاق الأفران التي تعمل بالفحم"، وأضاف قائلاً أن: "التلوث هو التحذير والضوء الأحمر للطبيعة بسبب النمو غير الفاعل وغير الكفوء والأعمى في بلادنا، ولذلك فإن تبني سياسة النمو البيئي المعقول ضروري وهام لحياة الناس ومستقبل أمتنا". كذلك أكد نائب رئيس الوزراء الصيني في كلمةٍ ألقاها مؤخراً أن جودة الهواء الجوي ستكون "أولوية الأولويات"، أي أنه قدَّم قضية البيئة والمحافظة على الهواء الجوي وحمايته من الملوثات على كل القضايا الأخرى من سياسية، وأمنية، واقتصادية، مما يؤكد أهمية هذه القضية القصوى وتداعياتها على المجتمع الصيني برمته، وتأثيراتها المباشرة على سمعة وهوية الصين واستدامة النمو الاقتصادي، كما يُثبت هذا الاهتمام غير العادي والكبير لنائب رئيس الوزراء الحالة السيئة والمأساوية التي وصلت إليها البيئة في بكين، وبالتحديد بالنسبة للتدهور الشديد الذي أصاب نوعية الهواء وانعكاساته المباشرة على صحة الملايين من المواطنين والمقيمين في الصين.

 

وبناءً على تصريحات قادة الصين، والتي ذَكرتُ بعضها كأمثلة فقط، أستطيع أن أُجزم بأن الصين الآن بعد تجربة مريرة وقاسية خاضتها طوال السنوات الماضية اعتَرفَتْ بعيوب تجربتها التنموية التي أهملت البيئة تماماً، ولذلك بدأت في وضع البيئة وهمومها وشؤونها نصب أعينها، بل وعلى رأس قائمة الأولويات جنباً إلى جانب مع الاهتمام بالنمو الاقتصادي.

 

ولذلك إذا كُنَّا فعلاً معجبين بالتجربة الصينية ونجعلها قِبْلةً لنا في تحقيق النمو الاقتصادي في بلادنا وتهيئة البيئة الاستثمارية، فعلينا القيام فوراً في حماية كافة موارد وثروات البيئة وصيانتها من كلٍ يدٍ تلوثها وتعبث فيها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق