السبت، 21 مارس 2015

الإرهاب الفكري في أمريكا


تدَّعي الولايات المتحدة الأمريكية بأنها بلد الحريات المطلقة، وتعظ دول العالم وتوجههم في كل مناسبة إلى الاقتداء بها، ونشر ثقافة حرية التعبير والرأي في كافة المجالات وفي جميع قطاعات المجتمع.

 

ولكي أكون موضوعياً ومُنْصفاً، فإن هناك جزءاً من الحقيقة أمام هذا الزعم، والواقع الذي نشهده يدعم ويتوافق مع هذه الجزئية من الحقيقة، ولكن هذه الحرية التي يدَّعونها ليست مطلقة كلياً، فهناك ضوابط كثيرة تقيد يد هذه الحرية، وبخاصة إذا كانت كما يُصرحون دائماً تتصدى هذه الحرية أو تتعارض مع الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية، أو في كثيرٍ من الأحيان عندما تكون حرية الرأي والتعبير هذه تقف حاجزاً يمنع تحقيق الأهواء والمرامي الحزبية ومصالح الشركات العملاقة متعددة الجنسيات التي تمول الحملات الانتخابية لرؤساء أمريكا وأعضاء مجلس الشيوخ.

 

وهنا أضرب لكم مثالاً صارخاً يؤكد أن حرية التعبير والرأي محظورة في أمريكا عندما تتصادم مع مصالح الحزبين، الجمهوري أو الديمقراطي، أو تؤثر سلباً على استثمار وأرباح الشركات الكبرى، بل وستتأكد من هذا المثال أن هناك إرهاباً فكرياً شرساً يـُمارس في بلد الحريات والديمقراطية في مثل هذه الحالات.

 

فقد نشر مركز فلوريدا للتقارير الاستقصائية(Florida Center for Investigative Reporting) في الثامن من مارس من العام الجاري تقريراً تناقلته وسائل الأعلام الأمريكية والأوروبية، منها المحطة الإخبارية الأمريكية المعروفة سي إن إن وصحيفة الجارديان البريطانية، حيث أفاد التقرير بأن مكتب حاكم ولاية فلوريدا الجمهوري ريك سكوت(Rick Scott) أمر إدارة حماية البيئة التابعة للولاية بشطب وحذف عدة مصطلحات بيئية معروفة من المستندات الرسمية ومنع تداولها واستخدامه من قبل الموظفين والعاملين، وهي مصطلح "سخونة الأرض"، و "التغير المناخي"، و "الاستدامة". وربما يُعزى السبب في هذا الحظر الفكري وتقييد حرية التعبير في أن حاكم ولاية فلوريدا نفسه لا يؤمن بمساهمة الإنسان في التغير المناخي، وينكر أي دورٍ له في هذه الظاهرة المشهودة، فهو يشكك في أن أنشطة الإنسان الصناعية وغير الصناعية لها دور في رفع درجة حرارة الكرة الأرضية وإحداث الكوارث المناخية. ولذلك فهو يفرض رأيه ورأي وأفكار حزبه الجمهوري على الجميع في إدارته، ويـُحدث نوعاً من الإرهاب الفكري لكل من تسول نفسه مخالفة معتقداته.

 

وليس هذا التصرف بالجديد على رجال السياسة في أمريكا، فقد فعله الرئيس الأسبق جورج بوش الابن من قبل عندما قام بتسيس بعض القضايا البيئية العلمية، ومارس ضغوطاً سياسية على العلماء والمفكرين لتغيير مواقفهم وآرائهم لتتوافق مع معتقدات حزبه الجمهوري.

 

ومما يؤكد أن مثل هذه الممارسات المتمثلة في تكتيم الأفواه، ومنع الرأي الآخر، تُعتبر ظاهرة متجذرة في الحياة الأمريكية، وليست واقعة مستقلة وفردية، هي ما حدث في عهد الرئيس الراحل رونالد ريجن، وبالتحديد في عام 1982 عندما مُنع فيلمٌ بيئي من الدخول إلى أمريكا، وتم حظر مشاهدته على كل مواطنٍ أمريكي!

 

هذا الفيلم المحظور تم تصويره ونشره من قبل جهاز البيئة الكندي، وكان عنوانه: ”قصة المطر الحمضي“(Downwind: the Acid Rain Story)، وقامت السلطات الكندية بتوزيع هذا الفيلم البيئي العلمي على دُور السينما المتخصصة لعرضه في كندا، إضافة إلى توزيعه على الدول الأخرى، وبالتحديد الولايات المتحدة الأمريكية لعلاقتها المباشرة بموضوع الفيلم المتعلق بالمطر الحمضي. وعندما استملت وزارة الخارجية الأمريكية هذا الفيلم واطلعتْ عليه الأقسام المختصة، قامت بتصنيفه كفيلمٍ دعائي أجنبي يعمل ضد المصالح الأمريكية، وأنه يُشوه سمعة الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى هذا الأساس تم منع دخوله وعرضه.

 

فهذه الأمثلة الدامغة التي ضربتها لكم عبر السنين تكفي للإثبات بأن حرية التعبير والرأي ليست مكفولة كلياً في بلد الحريات والديمقراطية، وأن هناك حدوداً وقيوداً وخطوط حـُمر تقف حجر عثرة أمام هذه الحريات، كما هو الحال في بلادنا العربية، ولكن بدرجاتٍ متفاوتة.

 

 

هناك تعليق واحد:

  1. أحييك على شجاعتك .. فالحرية في الولايات المتحدة مكفولة ما دامت لا تسبب أي مشكلة لرأس المال .. أما إذا تعرضت المصالح الرأسمالية للضرر، فإن الحرية تختفي، ويحل محلها نظام بوليسي قمعي، لا يختلف عن باقي الدول القمعية .. حدث هذا كثيراً في الماضي، كمثال العهد المكارثي، سياسياً، وقضايا الطاقة البديلة، علمياً، وما ذكرته في مقالتك، بيئياً، وهذا غيض من فيض .. تحياتي

    ردحذف