الاثنين، 16 مارس 2015

فيلمٌ يُشاهده أكثر من 175 مليوناً!


فيلمٌ ليس كباقي أفلام الإثارة بكافة أنواعها، أو أفلام "الأكشن" والعنف، وبالرغم من ذلك فإنه جذب لرؤيته أكثر من مائة مليون مشاهد خلال الـ 24 ساعة الأولى من عرضه، وبالتحديد أكثر من 175 مليون خلال أول يومين، كما إنه ليس من صناعة وإنتاج مصنع الأفلام الأمريكية والعالمية "هوليود"، لكي يُثير اهتمام هذا العدد غير المسبوق عالمياً من المشاهدين والمهتمين، كذلك هو ليس من الأفلام التي كَلفتْ خزينة المنتجين عشرات الملايين من الدولارات الثمينة، وإنما بلغت كلفة صناعته قرابة 160 ألف دولار أمريكي فقط!

 

إنه فيلم وثائقي مؤثر، طوله 104 دقائق تحت عنوان :"تحت القُبْة"، ونَبَضَ من دَقات قلب الإعلامية والناشطة البيئية الصينية تشاي جينج(Chai Jing) التي أنتجت هذا الفيلم ليحكي قصة المعاناة اليومية الشديدة للمواطن الصيني، ويصور عن كثب الألم المـُدقع والعميق والمرعب الذي يتعرض له في كل ساعة من اليوم نتيجة لتعرضه للضباب المهلك لصحة الإنسان والقاتل للنفس البشرية واستنشاقه لخليطٍ معقد وسام من الهواء الشديد التلوث والخانق الذي لا يمكن تحمله والعيش فيه بسعادةٍ وأمانٍ واستقرارٍ نفسي وجسدي.

 

فجاء هذا الفيلم من فؤاد هذه الإعلامية الصادق والحزين بسبب الطامة الشخصية الكبرى التي نزلت عليها بعد أن أصيبت ابنتها بورمٍ سرطاني في الرئة عام 2013، فوصلت هذه المعاناة الصادقة مباشرة إلى أفئدة الناس، ودقت قلوبهم بشدة، وأثرت على نفوسهم، وأيقظتهم من سباتهم وسكوتهم عن هذا التلوث العام الذي بدأ ينهش في جسد الصينيين شيئاً فشيئا، ويأكل أعضاءهم رويداً رويداً، حتى انكشفت عندهم أكثر من 5000 قرية سرطانية منكوبة.

 

وقد تأثر وزير البيئة الصيني تشين جينينج(Chen Jining) شخصياً عندما شاهد هذا الفيلم وأدلى بتصريحٍ خطير غير متوقع من مسؤول صيني عندما قال: “إنني أتعهد بمواجهة التحديات البيئية غير المسبوقة في التاريخ البشري".

 

فهذا الفيلم يؤكد حَقيقةَ كم خسرت الصين اقتصادياً جراء نموها الاقتصادي المزعوم خلال الأربعين عاماً الماضية، وكم هي التهديدات الواقعية التي لحقت بالبشر والحجر والشجر، فكم خسرت الصين من الضحايا البشرية، وكم من الأطفال والشباب سقطوا صرعى ودُفنوا في القبور وهم في ريعان شبابهم بسبب التلوث، وكم تدمرت الحياة الفطرية من أنهار وبحيرات تحولت إلى مقابر جماعية، مياها آسنة وأسماكها مهلكة، ومن تربة زراعية تحولت إلى سموم لا يمكن الاستفادة منها لإنتاج الغذاء للناس.

 

إنها الحقيقة المـُـرَّة لتجربة النمو في الصين، والتي يجب أن نقف عندها ولا ندعها تفوت علينا دون الاستفادة منها والاتعاظ بتداعياتها المؤلمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق