الأربعاء، 11 مارس 2015

التغير المناخي يُفَجِّر الثورة السورية


منذ أكثر من ثلاثين عاماً وأنا أبحث في العلاقة بين البيئة وتلوثها والجوانب الحياتية الأخرى، سواء أكانت صحية، أم اقتصادية، أم اجتماعية، أم أمنية، أم سياسية، وكُنت بالأخص أحاول أن أربط بين فساد البيئة من التلوث والظواهر البيئية السقيمة الناجمة عن الملوثات في البر والبحر والجو والبعد الأمني المتعلق بتأثير تفاقم حالة التلوث على استقرار الحكومات وعلى اندلاع أعمال العنف والشغب وزعزعة الأمن على المستوى القومي الوطني والمستويين الإقليمي والدولي.

 

وقد بدأتُ المحاولة الأولى في مطلع التسعينيات من القرن المنصرم بعد أن زرتُ بعض دول أوروبا الشرقية واطلعتُ عن قرب على الأوضاع البيئية المأساوية التي وصلت إليها وضجر الناس واستيائهم من هذه الحالة التي أصابت صحة بيئتهم وصحة أجسادهم بأضرارٍ شديدة، وعندها نشرتُ مقالاً تحت عنوان: "البيئة تُسقط إمبراطورية"، حيث أشرتُ فيه إلى أن الهموم البيئة المتفاقمة والمتزايدة في الاتحاد السوفيتي ودول أوروبا الشرقية الواقعة تحت سيطرتها، إضافة إلى المشكلات الأخرى المتجذرة والمتعاظمة منذ عقود في المجتمع، كانت كالعامل المساعد في سقوط الإمبراطورية الشيوعية وتفككها وذهابها مع الرياح بدون رجعة.

 

واليوم أقفُ أمام بحثٍ يُدعم نظريتي، ويُقوي من الرأي الذي يفيد بوجود علاقة بين المشكلات البيئية والأمن وتدهور الاستقرار في الدول، وبالتحديد هنا الحالة السورية، ونُشر هذا البحث في الثاني من مارس من العام الجاري في مجلة أمريكية اسمها "وقائع الأكاديمية القومية للعلوم"، تحت عنوان:"التغير المناخي في الهلال الخصيب ودوره في وقوع الجفاف في سوريا". فهذه الدراسة التي قام بها علماء من جامعة كاليفورنيا في مدينة سنتا باربارا وجامعة كولومبيا المعروفة تُشير إلى أن التغير المناخي نتيجة لأنشطة الإنسان أَسهم في توقف السماء عن إنزال الغيث والمطر في الفترة من عام 2006 إلى 2010، وما تسبب ذلك في نزول الجفاف ونضوب المياه الجوفية وانخفاض مستوى المياه في الأنهار، وبالتالي تدهور النشاط الزراعي في المناطق الشمالية الشرقية من سوريا ، والذي نجم عنه هجرة نحو مليون ونصف المليون من الناس من الأرياف والقرى الزراعية إلى المدن والمراكز الحضرية بحثاً وطلباً للرزق، إضافة إلى العوامل الأخرى التقليدية التي تُسبب عدم الرضا والامتعاض والسخط عند الناس، كل هذه العوامل والظروف تراكمت وتضخمت مع الوقت فأدت إلى انفجار القنبلة الموقوتة واندلاع الثورة السورية.

 

وليست هذه هي الدراسة الأولى التي تربط بين الحالة السورية والتلوث أو ظاهرة التغير المناخي، وإنما هناك دراسات عدة نشرت من قبل تشير إلى وجود علاقة متينة بين "الربيع العربي" واندلاع أعمال العنف وزعزعة الأمن والاستقرار بشكلٍ عام والظاهرة البيئية المعروفة بارتفاع درجة حرارة الأرض أو التغير المناخي، ومنها الدراسة المنشورة في مجلة "دراسات الشرق الأوسط" في العدد الصادر في يناير 2014 تحت عنوان: "دور الجفاف والتغير المناخي في الانتفاضة السورية: حَل أسباب الثورة"، حيث حاولت الدراسة فك رموز مسببات الثورة السورية ودور الجفاف والتغير المناخي في الانتفاضة التي بدأت شرارتها في مارس 2011. وعلاوة على ذلك، فإن تقرير الأمم المتحدة الصادر من الهيئة شبه الحكومية حول التغير المناخي لعام 2014 وصل إلى استنتاج عام يقول بأن: "مع التغيرات المناخية المتعاظمة، فإن التهديد لأمن الإنسان سيرتفع تدريجياً".

 

ولذلك فإن هناك شبه اجماع عند العلماء أن استفحال التلوث مع الزمن وما ينجم عنه من مظاهر ومشكلات بيئية تنعكس بشكلٍ مباشر على الأمن الصحي للإنسان، تعمل كما يقول المثال "القشة التي قصمت ظهر البعير"، فتكون هي الشرارة الأخيرة التي تُشعل فتيل الأزمات الأمنية، وتُسهم بشكلٍ مباشر أو غير مباشر في تَولِّد أعمال العنف والشغب، وتؤدي إلى زعزعة أمن واستقرار الحكومات والدول.

 

ولكن السؤال الثاني الذي أطرحه الآن وسأبحث في الإجابة عنه هو: "ما هي نسبة اسهام تدهور البيئة وفساد مكوناتها الحية وغير الحية في تفجر الثورات والانقلابات وأعمال الشغب، مقارنة بالعوامل الأخرى التقليدية المعروفة؟".        

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق