الأحد، 26 أبريل 2015

المَبَاني المُستقبلية


كَثُر الحديث في الأيام القليلة الماضية في وسائل الإعلام المحلية عن "المباني الخضراء"، وتركزت هذه الأخبار على شُروع إحدى الوزارات الحكومية على بناء مثل هذا النوع من المباني، وفي الحقيقة فإن هناك مصطلحات كثيرة تُطلق على هذا النوع الجديد من المباني والعمارات وهي في مجملها تتلخص في مفهومٍ واحد مُحَدد هو إنشاء المساكن والمباني بكافة أنواعها وأحجامها بحيث إنها تأخذ الهموم البيئية في الاعتبار عند التصميم، والإشراف، والتنفيذ، والصيانة والتشغيل، إضافة إلى قيامها الحد من أية آثارٍ سلبية تنجم عن المبنى على المكونات البيئية الحية وغير الحية من الناحيتين الكمية والنوعية، ومن هذه المصطلحات غير "المباني الخضراء" التي تحقق هذا المفهوم العام هي "المباني الصديقة للبيئة"، أو "المباني المستدامة"، أو "المباني البيئية"، أو "المباني المستقبلية".

 

وهناك عدة معايير ومبادئ دولية قد حُددت ووُضعت لتصنيف أي مبنى، أو عمارة بالمباني الخضراء، وهذه المعايير مستخلصة من أربعة مجالات عامة. فالمجال الأول متعلق بالطاقة والكهرباء وسبل ترشيد استهلاكه بأكبر كفاءة ممكنة، وتشغليه بأكبر قدر من الفاعلية، والمبرر في ذلك أننا كلما زاد استهلاكنا للكهرباء، زاد انبعاث الملوثات إلى الهواء الجوي وارتفعت وتيرة وحدة تدهور الهواء وتعجلت سرعة وقوع التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الأرض. ولذلك ابتكر العلماء عدة وسائل لتحقيق هذا الهدف، منها النوافذ السميكة ذات الثلاثة ألواح، إضافة إلى تصنيع زجاج النوافذ من مواد تسمح الضوء في الدخول في المبنى وتقلل من السماح للحرارة بالدخول، مما يعني المحافظة على حرارة أو برودة المبنى. كذلك إبداع مصابيح منخفضة إطلاق الحرارة ومرتفعة إعطاء الضوء والإنارة، إضافة إلى أنها مصابيح تبقى سنوات دون الحاجة إلى تغييرها، مما يوفر الكثير من الجهد، والمال، والكهرباء، ويقلل من التلوث، ويخفض من إنتاج المخلفات الصلبة الخطرة. وفي المقابل أيضاً ابتدع خبراء المواد والبناء مواد وأصباغ وطوب عازل للحرارة يُوضع فوق سطح المبنى، أو في الجدران فيُقلل من دخول الحرارة ويوفر الكهرباء، وبالتالي يقلل من تدهور وتلوث الهواء الجوي ويخفض من الضرر الصحي له. كذلك من الضروري التفكير كلما أمكن وفي بعض التطبيقات العملية، استخدام الطاقة المتجددة والنظيفة، مثل الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، وغيرهما. وعلاوة على هذا فإن خفض استهلاك الطاقة يُطيل من عمر مصادر الطاقة، وخاصة أننا في البحرين نُنْتج الكهرباء من مشتقات البترول أو الغاز الطبيعي، وكلها مصادر ناضبة وغير متجددة للطاقة.

 

أما المجال الثاني فهو الثروة المائية وسبل ترشيدها وخفض استهلاكها من جهة، والاستفادة من مصادر المياه غير التقليدية في المباني، مثل مياه المجاري المعالجة، أو مياه الأمطار من جهة أخرى. أما من جانب ترشيد الاستهلاك فإن عقل الإنسان أبدع في إنتاج حنفيات وأدوات مختلفة تُقلل من استهلاك الماء، وتُرشد في استخدام هذه الثروة الحيوية. ومن جانبٍ آخر يمكن إعادة استعمال مياه المجاري على حسب درجة معالجتها لأغراض متعددة في المباني وفي ري النباتات والمسطحات الزراعية.

 

أما المجال الثالث فهو نوعية المواد المستخدمة في المباني، سواء تلك المستخدمة في خارج المبنى، أو في التصميم الداخلي، بحيث إنها يجب أن تكون مستخلصة من المواد الخام المتوافرة محلياً، إضافة إلى التأكد على أنها لا تنبعث عنها سموم وملوثات، مثل بعض أنواع الجرانيت التي ينبعث عنها غاز مشع عديم اللون والطعم والرائحة يسمى الرادون، أو أخشاب مضغوطة تنبعث منها مادة الفورمالدهيد المسرطنة، أو الدهان والأصباغ التي تنطلق منها ملوثات عضوية سامة، وبعضها يسبب السرطان.

 

والمجال الرابع فهو المخلفات الصلبة، أو القمامة، وهذه تُعد في كل المدن حضرية مشكلة كبيرة جداً وتسبب أزمة خانقة وعبئاً شديداً على كاهل المسئولين عن إدارتها، ولذلك هناك الكثير من الطرق التي يمكن تبنيها لخفض إنتاج المخلفات، وتقليل أحجامها.

 

والجدير بالذكر أن للمباني الخضراء المستقبلية أبعاد اقتصادية مشهودة، أي أنها مربحة لمالك المبنى على المدى الزمني القريب والبعيد، ولذلك قام ملاك الكثير من المباني القديمة الموجودة منذ مئات السنين بتطبيق آليات وأدوات ووسائل العمارة الخضراء لإعادة تأهيل المبنى بشكلٍ كلي، ومن أروع الأمثلة التي يمكن الاستئناس بها هو أشهر أول أطول عمارة تاريخية في العالم، وهي ناطحة سحاب "إِمْبير ستيت" في مدينة نيويورك، حيث قام صاحبها بصرف الملايين لإعادة تأهيلها بيئياً.

 

فالمباني الخضراء هي المباني المستقبلية التي يجب تنفيذها على أرض الواقع، فعن طريقها نضرب أكثر من عصفورين بحجرٍ واحد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق