الاثنين، 19 أكتوبر 2015

وَصْفة دواءْ جديدة


لا تستغرب الآن إذا ذهبتَ إلى الطبيب يوماً ما تشتكي عنده من مرضٍ أو علةٍ جسدية ونفسية وأعطاك وصفة جديدة ودواءً غير الأدوية المعروفة ومكتوب فيها "وصفة المتنزهات"( park prescription)، أي أن الطبيب يقول لك بصراحة بأن دواءك وعلاجك من هذا المرض الذي تعاني منه يكمن في شَدِّ الرحال فوراً إلى متنزهٍ عام، أو أية حديقة بالقرب من منزلك، أو منطقة طبيعية هادئة ومريحة تجلس فيها تحت ظل شجرة، وتطرب أُذنيك بسماع تغاريد الطيور، وتكحل عينيك بمناظر النخيل والأشجار ومختلف أنواع النباتات الخضراء، وتمشي بعضاً من الوقت في هذه الأجواء الساكنة والوادعة، وتعيش قليلاً بعيداً عن الضجيج والإزعاج والأصوات العالية المـُنفرة والمرضية.

 

وقد جاءت هذه الوصفة الغريبة والحديثة بسبب ظهور حالةٍ مرضية واضطرابٍ صحي في الدول الغربية خاصة وفي الولايات المتحدة الأمريكية عامة أُطلق عليها "مرض نقصان الطبيعة"( nature deficit disorder)، وهذه الحالة صاحبت الثقافة العصرية التي نقع جميعاً تحت وطأتها ونتصرف حسب متطلباتها، وبالتحديد من ناحية استخدام وسائل التقنية الحديثة وأدوات الاتصال والتواصل الاجتماعية التي لا تُفارقنا في أية لحظة وأينما نكون، فهي معنا وتحت أيدينا، وبخاصة الهاتف النقال الذكي الذي يحمل في بطنه آلاف البرامج الترفيهية والألعاب المسلية التي لا تُعد ولا تحصى، إضافة إلى برامج التواصل من "واتس أب"، و"انستجرام" وغيرهما، وكل هذه الوسائل والأدوات والأجهزة أدخلت أطفالنا وشبابنا، بل وشيوخنا إلى حدٍ سواء في قوقعتها، وأصبح الجميع أسيراً لها، فكل منا يَسجُن نفسه ساعاتٍ طويلة ويحبسها أمام هذه الأجهزة، حتى ولو كان في مجلسٍ عام أو مع أفراد أسرته الصغيرة والكبيرة.

 

فهذا التقوقع المتطرف مع الجهاز أخرج الإنسان من دائرة البيئات الخارجية وممارسة النشاط البدني ومزاولة التمارين الرياضية، حتى انتشرت بين الأطفال خاصة أسقام مزمنة وغريبة على عمرهم، كالسمنة المفرطة والبدانة المشهودة، وأمراض السكري والقلب، مما اضطر الأطباء والأجهزة المعنية بالصحة العامة في الولايات المتحدة الأمريكية إلى دق جرس الإنذار واستحداث برامج صحية ضمن النظام الصحي العام، وأدخلوا فيها "وصفة المتنزهات والحدائق"  كدواء فاعل يعالج مثل هذه الاضطرابات والحالات الصحية الخطيرة.

 

ونظراً لاستفحال هذه الحالات المرضية في كل ولايات أمريكا وتفاقم هذه الأزمة الصحية وتهديدها المباشر لصحة الأطفال والشباب، فقد قام أوباما نفسه بطرح مبادرة خاصة بالبيت الأبيض في سبتمبر من العام الجاري تشجع المواطن الأمريكي على زيارة المتنزهات العامة، وتحثه على ممارسة الأنشطة خارج نطاق المنزل، وأَطلق عليها مبادرة البيت الأبيض لكل طفل في المتنزهات(White House’s Every Kid in a Park initiative).

 

وقريباً في البحرين ستجدون هذه الوصفة تكتب لكم كعلاج ودواء، فمن الأولى اتباع هذا العلاج من الآن للوقاية من مثل هذه الأمراض وتجنب الإصابة بها.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق