الخميس، 23 نوفمبر 2017

خِطاب تحذيري من 15 ألف عالِم



نشرتُ مقالاً في التاسع من مارس من العام الجاري عنوانه "معاهدة سلام مع البيئة"، وحذرتُ فيه من المخاطر العصيبة التي تواجه الكرة الأرضية برمتها، وبيَّنت التهديدات العميقة التي ألمَّتْ بالأوساط البيئية من ماءٍ وهواءٍ وتربة، وانعكاس كل هذه الأضرار والسلبيات مباشرة على صحة الإنسان والحياة الفطرية التي تعيش معه، وتأثيراتها الكارثية على استدامة التنمية البشرية على وجه الأرض.

واليوم، وبالتحديد في 13 نوفمبر نَشرَ 15364 عالماً من 184 دولة من مختلف دول العالم، والكثير منهم ممن نالوا جائزة نوبل للسلام، خطاباً رسمياً يدق ناقوس الخطر تحت عنوان: "تحذير إلى البشرية"، مضمونه التوافق والتطابق كلياً مع مرئياتي وأفكاري التي طرحتها في مقالي قبل أكثر من ثمانية أشهر، وتقديم تحذير شديد اللهجة من التدهور البيئي العميق والمستمر لقرون، والذي تغلغل الآن في أعماق كوكبنا في كل بقعةٍ صغيرةٍ أو كبيرةٍ في كافة أرجاء المعمورة، وفي كل شبرٍ قريب كان أو بعيدٍ من أنشطة الإنسان وأعماله التنموية.

وهذه التحذيرات المخيفة صُنِّفت إلى عدة قضايا رئيسة على المجتمع البشري مواجهتها فوراً بشكلٍ جماعي مشترك قبل فوات الأوان، وقبل أن ينزل علينا الكَرب العظيم الذي يُسقط ضحايا بشرية جماعية، وهذه القضايا أُقدمها لكم، وأُبين في الوقت نفسه علاقتها المباشرة بوضعنا وحالنا في البحرين.

أولاً: انخفاض حجم مياه الشرب العَذب الفُرات المتوافرة لكل إنسان يعيش على وجه الأرض بنسبة 26%، وذلك نتيجة للاستنزاف المفرط للمياه الجوفية وغيرها من المياه العذب الزُلال من جهة، وتدهور نوعية مصادر هذه المياه، سواء أكانت مياه جوفية أو مياه الأنهار والبحيرات من جهة أخرى بسبب تلوثها من مصادر لا تعد ولا تحصى. وهذا الوضع المائي المتدهور كمياً ونوعياً ينطبق علينا كلياً، فقد انتهت ونضبت وانقرضت مئات العيون العذبة في البر والبحر، فلا نرى اليوم إلا آثارها الباقية التي تحكي ظلم الإنسان تجاه عناصر بيئته والتعدي على حرماتها، فالمياه الجوفية تحولت إلى ملحٍ أجاج غير سائغٍ للشاربين، بحيث إننا نضطر إلى تحليتها لتكون صالحة للشرب.

ثانياً:  ازدياد أعداد المناطق "الميتة" في البحار والمحيطات بنسبة 75% بسبب التلوث ونقص مستوى الأكسجين في الماء، وأكبر منطقة بحرية ميتة من ناحية المساحة موجودة الآن في خليج المكسيك، حيث بلغت مساحتها زهاء 14 ألف كيلومتر مربع، أي أكبر من مساحة البحرين بنحو 14 مرة. وهناك اليوم قرابة 405 مواقع بحرية ميتة في مختلف دول العالم وتحولت إلى صحراء جرداء قاحلة لا حياة فيها ولا روح لها. وفي البحرين تدهورت صحة البحر والكائنات الفطرية التي تعيش فيها نتيجة لأعمال الحفر والدفن البحري وصرف المخلفات السائلة والصيد الجائر، بحيث إن سعر الأسماك المستخرجة من بحارنا يفوق الآن بكثير أسعار الكائنات الحية المستوردة من لحوم ودجاج.

ثالثاً: تدمير الملايين من الكيلومترات المربعة من الغابات الكثيفة والبيئات الأخرى المزدهرة بالتنوع الحيوي والقضاء عليها كلياً أو تحويلها إلى أراضي زراعية، مما أدى إلى انخفاضٍ شديد في أعداد الكائنات الفطرية الحيوانية وتدهور حاد في التنوع الحيوي بلغ 29%، وما حدث في البحرين من إفسادٍ تام لغابات النخيل والبساتين التقليدية العريقة، إضافة إلى تدمير وانكماش مساحة البيئات البرية الصحراوية، يُعد مثالاً حياً نشهده أمامنا لهذه الحالة الدولية المأساوية.

رابعاً: ارتفاع تركيز الغازات المسؤولة عن رفع درجة حرارة الأرض هذا العام، وبخاصة ثاني أكسيد الكربون، فنسبة انبعاثات هذه الغازات ارتفعت نحو 2%،حسب تقرير "مشروع الكربون الدولي" المنشور في 14 نوفمبر من العام الجاري.

خامساً: زيادة عدد سكان الأرض بأكثر من 35% مما يشكل عبئاً كبيراً غير مدروس على الموارد والثروات الطبيعية المنهكة حالياً بسبب أنشطة الإنسان الجائرة، وفي البحرين حسب أحدث الإحصاءات الصادرة من هيئة المعلومات والحكومة الإلكترونية، بلغ عدد السكان مليوناً و 501 ألف نسمة، ويُعد هذا رقماً مرتفعاً جداً مقارنة بمساحة البحرين المحدودة والصغيرة، كما يشكل هذا الارتفاع غير المسبوق لعدد السكان ضغطاً شديداً على الموارد الثروات الطبيعية الفطرية الشحيحة الموجودة على أرض الوطن.

ولذلك فمن المفروض أن هذا الخطاب الذي وقَّعه كبار العلماء في مختلف دول العالم أن يكون جرس إنذارٍ قوي، يوقظ رجال السياسة والقانون في كل دول العالم بدون استثناء، ويدعوهم إلى تبني الإجراءات الحاسمة والعاجلة لإنقاذ كوكبنا الذي يحتضر الآن في غرفة الإنعاش.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق