الأحد، 12 نوفمبر 2017

إلى وزارة الصحة، فصحتُنا في خطر


عندما يحدث انفجار إرهابي هُنا أو هناك فيموت عشرات البشر تركض وسائل الإعلام من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب لتنقل هذا الحدث وتنال شرف السبق في كشف ملابساته وتداعياته إلى شعوب العالم، وعندما تسقط طائرة على متنها المئات من بني الإنسان، تنتقل الطواقم الإعلامية متحملة مشقة السفر من كل أنحاء العالم إلى موقع الواقعة لتُقدم للناس أدق وآخر التفاصيل. وهذا عمل محمود ومطلوب، فحوادث قتل البشر يجب أن تحظى بالأولوية في النشر والنقل الإعلامي بشكلٍ عام.

 

ولكنني لا أتفهم الانتقائية وعدم الموضوعية والعدالة في نقل والاهتمام بالكوارث والحوادث التي تودي بحياة الناس وتقتلهم على حدٍ سواء، فهناك مصادر ومسببات نعاني منها كل ثانية في كل مدن العالم بدون استثناء وتقضي على الملايين سنوياً من بني آدم، ولكنها في الوقت نفسه لا تحظى بهذه الرعاية الشديدة والتجاوب الفوري السريع، ولا تلقى الاهتمام المباشر الذي يتناسب مع حجم الحَدَث سواء من وسائل الإعلام، أو من المسئولين في الدول.

 

فهناك إجماع دولي، سواء من العلماء والأطباء، أو من منظمات الأمم المتحدة المعنية، وعلى رأسها منظمة الصحة العالمية بأن التلوث بشكلٍ عام، وتلوث الهواء بشكلٍ خاص يعتبر التهديد الحقيقي الأول للأمن الصحي للبشر، وتعد الأمراض المتعلقة بالتلوث السبب الرئيس في قتل البشر في كل دول العالم بدون استثناء.

 

والتقارير والدراسات الموثوقة والمنشورة التي تؤكد هذه الحقيقة لا تُعد ولا تحصى، وأُقدم لكم آخر دراسة وأكثرها شمولاً ومصداقية، بحيث إنها غطت معظم شعوب العالم، وبالتحديد شملت 130 دولة، واستغرق إنجازها أكثر من عامين، وقام بها باحثون من مختلف دول العالم. هذه الدراسة نُشرت في مجلة اللانست الطبية المرموقة في العشرين من أكتوبر بالتعاون والتنسيق مع منظمة الصحة العالمية حول دور تلوث الهواء والماء والتربة في قتل البشر على المستوى الدولي، وإسهامه المباشر في القضاء عليهم في سنٍ مبكرة وهم في ريعان شبابهم. فقد استنتجت الدراسة بأن التلوث والأمراض المتعلقة بالتلوث نَقل عام 2015 تسعة ملايين إنسان إلى مثواه الأخير، أي أن التلوث قضى على إنسان واحد من بين ستة، وهذه تمثل 16% من مجموع أعداد الموتى، كما أكدت الدراسة بأن الذين يلقون حتفهم من أمراض التلوث أكثر بثلاث مرات من الذين يموتون بسبب الإيدز والملاريا والسل، وأكثر من 15 مرة من الذين ماتوا في الحروب وأعمال العنف والإرهاب في عام 2015.

 

ولذلك ألا تستحق هذه الإحصاءات المخيفة والأرقام المرعبة أن تثير وسائل الإعلام فتقف وقفة رجلٍ واحد لتغطي فوراً وفي صفحاتها الأولى وعلى مدار الأيام هذه الكارثة التي أَلَّمت ببني البشر وتهدد استدامة حياته على وجه الأرض؟

 

أليس من الأولى من وزارة الصحة في بلادنا وكل بلاد العالم أن تدق ناقوس الخطر فتشمر سريعاً لتواجه هذا الخطر المحدق بالصحة العامة والذي يصيب الجميع سواسية، فلا يفرق بين دولة فقيرة أو غنية، صناعية أو غير صناعية، نامية أو متقدمة؟

 

أليس من الأجدى من وزارة الصحة في بلادنا وجميع دول العالم أن تتبنى إستراتيجية الوقاية والمنع من المرض بدلاً من التركيز بشكلٍ كبير على علاج المرض؟ وأن تتحول في أولياتها وخططها التنفيذية من سياسة العلاج إلى سياسة الوقاية، وبالتحديد العمل مع كافة الجهات المعنية على منع مصادر التلوث بكل أشكالها وأنواعها واجتثاثها جذرياً من مجتمعنا، سواء التلوث الكيميائي، أو الفيزيائي الطبيعي، أو التلوث الحيوي من أوساطه المختلفة في الهواء والماء والتربة؟

 

فقد اقتنع المدير العام لمنظمة الصحة العالمية بهذه الحقيقة العصيبة، ووجه دول العالم قائلاً:"إذا لم تتخذ الدول الإجراءات الضرورية اللازمة لتحسين نوعية البيئة التي يعيش ويعمل فيها الإنسان، فإن الملايين سيتعرضون للأمراض ويموتون وهم شباب".

 

بل وإن القطاعات التنموية الأخرى جميعها متضررة من استفحال التلوث في المجتمع البشري، حتى إن تهديد التلوث بلغ البنك الدولي المعني بالجانب الاقتصادي المالي البحت، حيث أعلن البنك في أبريل من العام الجاري بأن خفض مستوى التلوث بكل أشكاله يجب أن يُعد من الأولويات على المستوى الدولي.

 

وبالتالي فإن من يظن بأنه بمنأى عن عدوى التلوث وأمراضه الكثيرة المستعصية فهو واهم، وينقصه الاطلاع على هذه الحقائق الماثلة أمام الجميع، فالإسراع في اتخاذ الإجراءات الضرورية وتبني مجموعة من الخطوات العملية الحازمة سيحمي أرواح الآلاف من المواطنين، وسيؤجل كثيراً انتقال شبابنا وفلذات أكبادنا إلى مثواهم الأخير.

 

فماذا نحن فاعلون؟        

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق