الأربعاء، 29 نوفمبر 2017

مخاطر الطاقة النووية في منطقة الخليج



بِقدر ما أنا سعيد ومبتهج وأؤيد دخول دول الخليج في بحر التقنيات النووية اللُّجِّي المتلاطم الأمواج والمعقد والشائك فنياً وأمنياً وسياسياً، فبالقدر نفسه أتخوف وأُحذر من مخاطر استعمال هذه التقنية الدقيقة، ومن التهديدات والتداعيات غير المحمودة التي قد تنشأ عنها وعن أي خللٍ أو عطلٍ فني قد يطرأ عليها.

وهذا التخوف والتحذير ليس من باب التشاؤم أو التنبؤ العشوائي غير المدروس وغير المعتمد على الحقائق والخبرات المعاصرة، وإنما يأتي هذا التنبيه والتحذير والتخوف عن وقائع شاهدناها أمامنا، ومَبْني على كوارث عصيبة عاصرناها جميعاً في الماضي القريب.

وتنبيهي لدولنا من التوغل برفقٍ وحذر مع أخذ أشد احتياطات وإجراءات الأمن والسلامة صرامة في مجال الطاقة النووية يأتي في قضيتين. القضية الأولى هي حوادث التسربات الإشعاعية التي قد تقع لأسباب مختلفة، منها الإهمال وعدم إتباع إجراءات الصيانة الوقائية والصيانة الدورية المستمرة، ومنها نتيجة لوقوع حوادث طبيعية تؤثر على تشغيل المفاعلات وتؤدي إلى احتراقها أو انفجارها، كما حدث بالفعل في أكبر كارثتين نوويتين عرفهما التاريخ، وهما كارثة تشرنوبيل في 26 أبريل عام 1986 في أوكرانيا بالاتحاد السوفيتي سابقاً، وكارثة فوكوشيما في اليابان في 11 مارس 2011، علماً بأن التأثيرات الإشعاعية التي نجمت عنهما عمَّتْ الكرة الأرضية برمتها وأضرت بالبشر والشجر والحجر، وتوغلت الإشعاعات المتسربة في أعماق مكونات بيئتنا، في الهواء والماء والتربة وفي النبات والحيوان والإنسان، وستظل تداعياتها البيئية والصحية الضارة باقية مخلدة في كوكبنا إلى أن يشاء الله.

واليوم وقعت حادثة تسرب إشعاعي في القارة الأوروبية بشكلٍ محدد، وذكرتني بخطورة التعامل مع التقنية النووية، ولكن لم تنل هذه الحادثة الاهتمام المباشر والكبير من وسائل الإعلام الشرقية خاصة، ولكنني شخصياً أُتابع تحركاتها منذ نزولها على وجه أوروبا، وأراقب عن كثب جميع تفاصيلها وملابساتها وأسباب ومكان وقوعها، لكي نتعلم من دروسها، ونتجنب هُنا في الخليج الوقوع في هفواتها وزلاتها. 

فقد نَشرتْ بعض وسائل الإعلام الغربية في العاشر من نوفمبر من العام الجاري خبراً صادراً عن المعهد الفرنسي للحماية من الإشعاع والسلامة النووية، حيث أكد هذا المعهد عن اكتشاف سحابة مشعة، وغمامة نووية غطت سماء القارة الأوروبية في الفترة من 27 سبتمبر إلى 13 أكتوبر، وكانت هذه الغمامة تحتوي على عنصر الرُوثنيم(Ruthenium 106) المشع الذي يستخدم في المجال الطبي وبخاصة لعلاج الأورام، كما أفاد المعهد بأن مصدر الإشعاع قد يكون من محطة لمعالجة مخلفات الوقود النووية المشعة، أو مركز طبي لمعالجة المخلفات النووية الطبية، وأضاف المعهد بأنه بناءً على اتجاه وسرعة الرياح في تلك الفترة فإن الدول المتهمة قد تكون روسيا أو كازاخستان، ولكن كالعادة، كما كان الحال عند وقوع كارثة تشرنوبيل، أنكرت روسيا بشدة هذا الخبر كلياً.

ولكن بعد ضغوط الدول والجمعيات غير الحكومية للكشف عن مصدر الإشعاع، اعترفت موسكو في 21 نوفمبر بوجود نسبٍ عالية جداً من الروثنيم المشع تزيد عن التركيز العادي بأكثر من 986 مرة في الفترة نفسها في الهواء في عدة مدن روسية، وبخاصة في مدينة ماياك(Mayak)، وهذا العنصر المشع انتقل مع تيارات الرياح إلى هواء معظم المدن الأوروبية التي قامت الأجهزة الخاصة بقياس ومراقبة الملوثات المشعة بقياسه بنسبٍ تزيد عن النسب العادية الطبيعية.

أما القضية الشائكة الثانية المتعلقة بالتعامل مع التقنية النووية فهي المخلفات المشعة التي تنجم بعد الانتهاء من استخدام المادة المشعة، سواء أكانت أعمدة الوقود المشعة التي تستخدم في المفاعلات أو العناصر المشعة المستعلمة في مجالات متعددة. وهذه القضية تُعد من أعقد المشكلات وأكثرها تحدياً وخطورة وتهديداً للبيئة والصحة العامة، إذ أن عَقْل الإنسان الغربي والشرقي لم يتوصل حتى الآن إلى الحل المستدام والآمن لمثل هذه المخلفات التي مازالت مكدسة وتجثم على أراضي الدول النووية، أو أنها مخزنة في أعماق الأرض لأكثر من 60 عاماً.

ولذلك يجب أن نعلم جيداً بأن هذه التقنية تعتبر جديدة بالنسبة لدولنا، والتعامل معها يختلف كلياً عن التعامل مع التقنيات التي أصبحت لدينا خبرة عالية وطويلة في إدارتها، كتقنيات تكرير النفط والغاز الطبيعي والبتروكيماويات، فالمفاعلات النووية تختلف من ناحية التشغيل والأمن والسلامة عن مصانع تكرير النفط، فهي أشد خطورة وتدميراً في حالة وقوع أي خطأ أو حادثة ولو كانت بسيطة، فالتحكم فيها والسيطرة عليها صعب جداً، بل ومستحيل في بعض الحالات، والأضرار التي تنجم ستكون كارثية وتغطي مساحة واسعة من الكرة الأرضية. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق