الأربعاء، 15 نوفمبر 2017

سياسة خليجية مستدامة في أمن الطاقة


يُسعدني كثيراً ولوج دول الخليج في البوابة المحظورة والمحرمة على الدول النامية والضعيفة التي لا حول لها ولا قوة في ميزان القوى بين الدول الصناعية المتقدمة العظمى، وهي بوابة التقنية النووية عامة، والتقنية النووية الذرية في مجال الطاقة وتوليد الكهرباء بصفةٍ خاصة. هذه التقنية التي تعتبرها الآن الدول الصناعية المتقدمة حِكراً عليها، وخطاً أحمر تمنع أية دولة نامية من تجاوزها وتخطيها، بل وأنشأت في الأمم المتحدة منظمة خاصة أُطلق عليها الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعمل كشرطي ورجل أمن يراقب عن كثب ويحظر فقط على الدول النامية امتلاكها، وبخاصة بالنسبة للطاقة النووية في مجال الاستخدامات العسكرية.

 

فقد أعلن رئيس مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة في الكلمة التي ألقاها في المؤتمر الوزاري الدولي للطاقة النووية في القرن الـ 21 والذي عقد في أبوظبي في الأول من نوفمبر من العام الجاري وقامت بتنظيمه الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بأن المملكة العربية السعودية انطلاقاً من رؤيتها 2030 للتخطيط الاستراتيجي وضمن المشروع الوطني للطاقة الذرية ستبني مفاعلين نوويين بحلول نهاية عام 2018، وسيكون هذا الخطوة الأولى في برنامج المملكة في الطاقة والنووية، ثم تلحقها الخطوة الثانية وهي استخراج وتخصيب خام اليورانيوم وتنقيته بنسبة 5% من أجل إنتاج الوقود النووي محلياً.

 

ومن قبل أكدت دولة الإمارات العربية المتحدة بأنها ستبني أربعة مفاعلات نووية لتوليد الطاقة الكهربائية ضمن الخطة الاستراتيجية الوطنية للطاقة 2050 التي تهدف إلى زيادة استخدام مصادر الطاقة الصديقة للبيئة بنسبة 50% بحلول عام 2050، علماً بأن أول مفاعل نووي سيبدأ تشغيله بحلول عام 2018.

 

وهذا التوجه السليم والمستدام نحو التقنية النووية يصب ضمن سياسات دول الخليج في مجال أمن الطاقة، والتي تعتمد على عدة أسس وقواعد استراتيجية. أمام الأساس الأول والأهم فهو التنوع في مصادر إنتاج الطاقة الكهربائية وعدم الاعتماد كلياً على مصدر وحيد، كما كان عليه الحال لأكثر من قرابة 80 عاماً، حيث كان النفط والغاز الطبيعي، أي الوقود الأحفوري الناضب غير المتجدد وغير الصديق للبيئة هو المصدر الوحيد لتوليد الكهرباء. ولذلك مع نضوب النفط رويداً رويداً، وانخفاض أسعاره بمستويات متدنية جداً، إضافة إلى الضغوط البيئية الدولية، وعلى رأسها الاتفاقيات المتعلقة بالتغير المناخي ورفع درجة حرارة الأرض وبالتحديد اتفاقية باريس، كان لا بد من إيجاد البدائل التي تواكب المتغيرات على الساحة البيئية الدولية فتَكُون مصادر متجددة وغير ناضبة لإنتاج الكهرباء من جهة، ولا تنبعث عنها السموم والملوثات التي تؤدي إلى التغير المناخي وتلويث الهواء الجوي من جهةٍ أخرى. فمن ضمن هذا التنوع في مصادر الطاقة هو الطاقة النووية، إضافة إلى الطاقة الشمسية، حيث أعلنت البحرين على إنشاء محطة للطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء بقدرة إنتاجية تبلغ 100 ميجاوات، كما قامت إمارة دبي بإنشاء واحد من أكبر المجمعات في العالم للطاقة الشمسية وهو متنزه محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية، كذلك أعلنت شركة مصدر في أبوظبي للطاقة النظيفة والمتجددة بأنها ستبني محطة شمسية لتوليد الطاقة بقوة 800 ميجاوات، على أن يتم توسعتها لتصل إلى 5000 ميجاوات بحلول عام 2030.

 

وفي الحقيقة فإنني هنا أريد أن أوجه أنظار دولنا نحو التقنية النووية بشكلٍ خاص، فهي ذات أبعادٍ أمنية خطيرة، إضافة إلى البعد المتعلق بتنويع مصادر الطاقة، فموازين القوى على المستوى الإقليمي والدولي تُحسب على القوة النووية التي تمتلكها الدول، فهي العامل الفصل الذي يرهب الأعداء ويبعدهم عن التحرش بنا أو ابتزازنا أو التفكير في الاعتداء علينا، فعلينا من هذا المنطلق التوغل بعمق في كافة التفاصيل المرتبطة بهذه التقنية والتعرف عليها عن كثب، وإعداد الكوادر الوطنية المخلصة والمؤهلة والقادرة فنياً وعلمياً على تشغيل، وصيانة، وتطوير هذه التقنية في مجالاتٍ متعددة حتى لا نعتمد على الغرب أو الشرق مستقبلاً ونتمتع بالاكتفاء الذاتي في توليد الطاقة، إضافة إلى القدرة على إرهاب أعدائنا، كما قال ربُنا: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون...".

 

كما إنني أريد أن أُحذر إلى قضية مهمةٍ جداً كتبتُ عنها مراتٍ عديدة وهي متعلقة بالمخلفات النووية التي تنتج عن استخدام الطاقة الذرية، فهي تُعد من أصعب وأكثر المشكلات البيئية والصحية تعقيداً على كافة المستويات، وأشدها تنكيلاً وتهديداً لصحة البيئة والناس، فدول الغرب والشرق العريقة في استخدام التقنية النووية منذ الأربعينيات من القرن المنصرم، مازالت في حيرةٍ شديدة من أمرها بشأن مخلفات وقنابل الدمار الشامل النووية المشعة التي نجمت عن الاستعمال المدني السلمي والعسكري لهذه التقنية، فهي مخزنة على أراضيها وتحت أراضيها ولا تعرف حتى الآن كيف تتعامل معها، فهل نحن أعددنا الخطة المتعلقة بإدارة هذه المخلفات بطرق بيئية وصحية مستدامة؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق