الأحد، 10 ديسمبر 2017

الكلفة المالية لإدمان أمريكا على المخدرات حسب البيت الأبيض


إدمان الشعب الأمريكي على المخدرات، وبخاصة الأفيون لم يَعُد خافياً على أحد حول العالم، ولم يعد بعد الآن قضية هامشية يمكن تجاهلها أو غض الطرف عنها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية على أعلى المستويات السياسية والصحية والاقتصادية.

 

أما على المستوى الصحي فقد أنذرت الهيئة الرئاسية العليا التي شكلها الرئيس الأمريكي ترمب حول "مكافحة الإدمان على المخدرات وأزمة الأفيون"في تقريرها المنشور في 31 يوليو من العام الجاري ونبهت إلى حقيقةٍ بسيطة جداً قائلة: "إن هذا الوباء إذا لم يُصبك أنت، أو أحد أفراد عائلتك حتى الآن، فإنه سينزل عليك عاجلاً حتماً وتُصاب به، إذا لم تتخذ الحكومة الإجراءات الصارمة لمكافحته"، وهذا التصريح الواضح الذي لا لبس فيه يؤكد حجم انتشار الآفة الصحية في المجتمع الأمريكي برمته، ويُثبت استفحال إدمان الشعب على تعاطي المخدرات.

 

وأما على المستوى السياسي ومن أرفع سلطة سياسية في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد أعلن الرئيس الأمريكي ترمب في 26 أكتوبر من العام الجاري في البيت الأبيض أعلى درجات التأهب والحذر وهي "حالة الطوارئ الصحية" على المستوى القومي بسبب الوضع العصيب والكرب العظيم الذي ينخر في جسد الشعب الأمريكي ويعاني منه الجميع من شباب وشيوخ في إدمانهم على المخدرات عامة والأفيون خاصة، حيث وصف ترمب هذه الحالة الكارثية قائلاً بأنها "أسوأ أزمة مخدرات في تاريخ أمريكا"، كما أضاف "إنها حالة طوارئ قومية، وسنصرف الكثير من الوقت، والكثير من الجهد، والكثير من المال على أزمة الأفيون".

 

وهذا الوباء الصحي المتجذر في عمق المجتمع الأمريكي له تداعيات اقتصادية ضخمة وواسعة تُرهق كاهل أمريكا مالياً وتسبب شللاً في ميزانيتها العامة على المستوى القومي وعلى مستوى الولايات على جدٍ سواء. فقد أعلن البيت الأبيض في 20 نوفمبر من العام الجاري بأن الكُلفة الحقيقية الفعلية في عام 2015 لوباء المخدرات عامة والأفيون خاصة بلغت 504 بلايين دولار، كما أكد مجلس المستشارين الاقتصاديين التابع للبيت الأبيض أن هذا الإرهاق المالي الباهظ الذي يتكبده المجتمع الأمريكي في ازدياد مطرد مع الوقت نتيجة لتفاقم الأزمة وازديادها سوءاً وتوسع دائرة انتشارها في كافة الشرائح والفئات وكافة الأعمار، ولذلك لا بد من مكافحة جدية لهذا الوباء ومعالجة صارمة وجذرية لكل مصادره ومسبباته. فوباء المخدرات أعتبره قنبلة تدمير شامل للاقتصاد الأمريكي، حسب دراسة أجرتها جامعة برينستن المعروفة ونُشرت نتائجها في التاسع من يوليو من العام الجاري في وسائل الإعلام الأمريكية، حيث أكدت على تأثيره المزمن على الاقتصاد الأمريكي من ناحية مرض وغياب وموت العمال المدمنين على المخدرات وضعف الإنتاجية، وقدَّرت الدراسة الخسائر الاقتصادية الناجمة عن ضعف الإنتاجية بنحو عشرة بلايين دولار سنوياً، كما خصص الكونجرس في عام 2016 في عهد أوباما مليار دولار لمنع وعلاج الإدمان حسب قانون "علاجات القرن الحادي والعشرين".

 

فالإحصاءات المنشورة من "مراكز التحكم ومنع المرض" في الولايات المتحدة الأمريكية تفيد بموت 145أمريكياً يومياً بسبب تعاطي المخدرات والجرعات الزائدة، ففي عام 2015 أكدت التقارير بأن عدد الموتى بسبب المخدرات فاق بكثير عدد الموتى من حوادث السيارات والإيدز معاً، ووصل إلى أكثر من 52 ألف، وفي عام 2016 بلغ عدد الذي لقوا مصرعهم ونقلوا إلى مثواهم الأخير نتيجة لتعاطي المخدرات 64 ألف أمريكي، وهذه الأرقام المخيفة في تزايد مطرد وبمستويات عالية جداً، والأدهى من ذلك كله والأشد بأساً وتنكيلاً على المدى البعيد بالمجتمع الأمريكي هو أنه في كل 25 دقيقة تضع المرأة الأمريكية مولوداً مدمناً على المخدرات، مما يعني نشوء أجيالٍ متلاحقة من المواطنين الأمريكيين وهم يقعون تحت وطأة الإدمان منذ صغرهم!. كما قال القائم بأعمال وزارة الصحة والخدمات الإنسانية لصحيفة الواشنطن تايمس في الرابع من ديسمبر من العام الجاري أن الموت بسبب الجرعة الزائدة من الأفيون ما هو إلا "حافة جبل الجليد" أي بعبارة أخرى ما خفي أعظم بالنسبة لوباء المخدرات، فتبعات موت مدمن المخدرات عظيمة على الأسرة والمجتمع واقتصاد أمريكا.

 

فهذا الوباء المهدد لأمريكا صحياً واقتصادياً واجتماعياً يجب أن يكون لنا درساً واقعياً نراه أمامنا، ومختبراً حياً نشاهد نتائجه أمام أعيننا، لعلنا نتعظ ونتعلم ونستفيد من هذه الخبرة القاسية والوضع المأساوي المؤلم، فلا نقع في الأخطاء نفسها التي وقع فيها المجتمع الأمريكي.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق