السبت، 30 ديسمبر 2017

أيهما أخطر السجائر الإلكترونية أم السجائر التقليدية؟


بينما كُنتُ أقود سيارتي ذات يوم في أحد الشوارع، توقفتُ خلف سيارةٍ أخرى في وسط الزحمة الشديدة الخانقة عند الإشارة الحمراء، وأثناء انتظاري لتغير الإشارة الضوئية شاهدت أدخنة كثيفة بيضاء اللون تنبعث من السيارة التي أمامي، ولأول وهلة ظننت إنها أدخنة حريق مشتعل داخل السيارة، فهَمَمت أن أخرج من سيارتي للتحقق من مصدر هذه الأدخنة ومد يد العون والمساعدة، فإذا بي فجأة لا أشاهد هذه الأدخنة فقد اختفت كلياً وتوقف خروجها من السيارة، وكأن الحريق قد انطفأ بنفسه. وعندئذٍ تيقنتُ بأنها ليست حريقاً داخل السيارة، وإنما هي الأدخنة التي تنطلق عند تدخين السجائر الإلكترونية الحديثة، فهي التي تُكون هذه السُحب الكثيفة والأدخنة البيضاء.

 

فهناك في الواقع نوعان رئيسان من السجائر في الأسواق حالياً، وهما سجائر التبغ التقليدية المعروفة منذ أكثر من قرنٍ من الزمان، والسجائر الإلكترونية التي دخلت علينا مؤخراً منذ نحو عقدٍ فقط من الزمن، ولذلك هناك الآن الكثير من الأسئلة وعلامات الاستفهام التي تدور حولها، وبخاصة من ناحية تأثيرها على البيئة والصحة العامة وصحة الفرد المدخن.

 

أما سجائر التبغ فآلية عملها تتلخص في احتراق التبغ الموجود في السجائر، وعملية الاحتراق هذه ينبعث منها خليط معقد وخطير من الملوثات التي تهدد الأمن الصحي للمدخن ولكل من يجلس حوله، حيث أجمعت الأبحاث والدراسات المنشورة خلال السبعين عاماً الماضية بأن دخان السجائر يحتوي على أكثر من 4000 مادة كيميائية سامة منها أكثر من مائتي مادة تسبب السرطان للإنسان، كما أجمعت هذه الدراسات بأن دخان السجائر يوقع المدخن في 12 نوعاً من أنواع مرض السرطان، على رأسها سرطان الرئة والفم والحنجرة، إضافة إلى الكثير من الأمراض التي تضرب الجهاز التنفسي والقلب. وعلاوة على ذلك كله فقد اعترفت شركات التبغ العملاقة التي تنتج هذه السجائر وأعلنت رسمياً في نوفمبر من عام 2016 في جميع وسائل الإعلام الأمريكية بأن السجائر التي تُنتجها سامة وقاتلة وتسبب السرطان. وبناءً على هذه الحقائق فإن ملف وقضية الأضرار القاتلة والتهديدات المميتة التي تسببها سجائر التبغ قد أغلقت وإنتهينا منها كلياً.

 

وأما النوع الإبداعي الشيطاني الجديد للسجائر الذي بدأ يكتسح الأسواق فهو السجائر الإلكترونية التي تتكون أساساً من النيكوتين النقي الصافي الذائب في مخلوط سائل يتكون من أكثر من 7000 نوع من المضافات والنكهات والروائح التي لا تعد ولا تحصى ولا تخطر على بال أحد، حسب البحث المنشور في مجلة علوم وتقنية البيئة في الأول من يونيو 2016، ومعظم هذه المضافات لا يعلم عن مكوناتها أحد، ولم يتم الكشف عن هويتها حتى الآن.

 

فآلية عمل هذا النوع من السجائر تختلف عن السجائر التقليدية، حيث يتم تحويل مخلوط السائل الموجود في السجائر الإلكترونية من الحالة السائلة إلى الحالة الغازية أو البخار، باستخدام الحرارة وتسخين مخلوط السائل عن طريق بطارية خاصة. وهذا البخار ينبعث كغمامة بيضاء كثيفة تُدركه الأبصار، وتحتوي على ملوثات خطرة وبعضها ملوثات مسرطنة يتعرض لها المدخن وكل من يجلس حوله.

 

فإدعاءات شركات التبغ حول هذا النوع من السجائر تتمحور حول نقطتين. الأولى بأن هذا النوع من السجائر يساعد مُدخن سجائر التبغ المعروفة مع الوقت إلى العزوف عن التدخين كلياً، والثانية فإنهم يزعمون بأن هذا النوع من السجائر غير ضار، أو في الأقل فإنه أقل ضرراً من أختها.

 

أما بالنسبة للنقطة الأولى فإن المعلومات العلمية الموثقة المنشورة في المجلات الطبية لا تفيد بأن تعاطي سجائر التبغ يؤدي إلى العزوف عن التدخين، وأما بالنسبة للثانية فإن الدراسات المنشورة حتى الآن حول الملوثات المنبعثة عن تدخين السجائر الإلكترونية أكدت على عدة حقائق منها ما يلي:

أولاً: مدخن السجائر الإلكترونية يتعرض للنيكوتين الصافي النقي، ومادة النيكوتين من المعروف قديماً وطبياً بأنها سامة وتسبب الإدمان.

ثانياً: الدخان الأبيض المتصاعد عند تسخين المخلوط السائل وتحويله من سائل إلى غاز، يحتوي على خليطٍ معقد من الملوثات السامة والخطرة، فهناك الكثير من الأبحاث التي قامت بتحليل هذه السحب البيضاء، منها البحث المنشور في مجلة علوم وتقنية البيئة في الثاني من أغسطس عام 2017، والبحث الثاني المنشور في المجلة نفسها في 17 أغسطس. فهذه الأبحاث أكدت على وجود ملوثات تسبب السرطان للإنسان في الدخان الأبيض مثل الفورمالدهيد والبنزين والدخان أو الجسيمات الدقيقة، إضافة إلى المئات من الملوثات العضوية وغير العضوية المهددة للأمن الصحي للإنسان.

ثالثاً: هناك شح كبير في المعلومات المتعلقة بهوية أكثر من 7000 مادة تستخدم في صناعة السجائر الإلكترونية، ولا شك بأن الكثير من هذه المضافات تضر بصحة الإنسان.

 
وخلاصة القول فإن سجائر التبغ القديمة أشد فتكاً وأقسى تنكيلاً بصحة الإنسان من السجائر الإلكترونية، ولكن كلاهما شر، وكلاهما يدمر صحة المدخن ومن حوله، ولذلك أتمنى من الجهات المختصة أن تتعامل مع السجائر الإلكترونية كما تتعامل مع سجائر التبغ، كما أتمنى منع كل أنواع السجائر والتدخين في البحرين، وأسأل الله أن يكون قريباً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق