الجمعة، 18 ديسمبر 2020

ما مدلولات قرار الأمم المتحدة حول الحشيش؟


منذ سنوات وأنا أُتابع عن كثب وأراقب المتغيرات والتطورات التي تحدث لقوانين وأنظمة دول العالم والمجتمع الدولي، ممثلاً في منظمات ووكالات الأمم المتحدة المعنية بتحليل المخدرات أو تجريمها، وقد وجدتُ خلال هذه السنوات نمطاً ملحوظاً ومشهوداً حول المخدرات، ويتمثل بشكلٍ عام في تخفيف القيود عنها سنة بعد سنة، ومنع تجريم من يمتلكها ويجدونها بحوزته، إضافة إلى رفع الحرج عن مستخدميها ومن يتعاطونها بصفة شخصية، ومن باب الترفيه والترويح عن النفس.

 

وهذا النمط السائد دولياً لا يأت فجأة ومرة واحدة، وبين عشية أو ضحاها، وإنما يكون تحليل المخدرات تدريجياً وببطء مع الزمن، حيث تمر في تقديري العملية في ثلاثة مراحل رئيسة قد تستغرق عقود من الزمن.

 

فأما المرحلة الأولى التي تمر بها عملية السماح للمخدرات، والخطوة الأولية التي تتخذها الدول تتمثل عادة في إلغاء الأنظمة والقرارات الخاصة بتجريم من تُمسكه الشرطة ورجال الأمن المختصين بمكافحة المخدرات عند حيازته لبعض أنواع المخدرات، ثم تليها المرحلة الثانية وخطوة استخدام هذه المخدرات لأغراض طبية، وتحليل استعمالها تحت مبرر التطبيقات العلاجية كأدوية ومسكنات ومهدئات للألم، أو لعلاج بعض الأمراض مثل الصرع وغيره.

 

وأما المرحلة التالية والخطوة الثالثة والأخيرة فتكمن في جعل المخدرات حلالاً طيباً، يستعملها الجميع بهدف التمتع والاسترخاء، والعيش فترة من الزمن في هناءٍ وسعادة زائفة ومميتة على المدى القريب.

 

وفي كل سنة تزيد قناعاتي حول مصداقية نظريتي هذه، وفي كل سنة أرى أمامي من التجارب والأمثلة التي تؤكد لي بأن دول العالم تتجه تدريجياً نحو تحليل المخدرات، والسماح للشعوب لاستخدامها تحت مسميات ومبررات متعددة، تختلف حسب ثقافة وعادات وقناعات كل دولة.

 

فعلى سبيل المثال، وعلى المستوى الدولي، قررت الأمم المتحدة ممثلة في هيئة الأمم المتحدة حول الأدوية المخدرة(UN Commission on Narcotic Drugs)في فينا في 3 ديسمبر من العام الجاري وهي الجهة التنفيذية لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، إلغاء وإزالة الحشيش، أو الماريوانا، أو نبات القنب من قائمة المواد الأشد خطورة، والأكثر تهديداً للصحة العامة، حيث صوتت 27 دولة مع الإلغاء ورفضت 25 دولة هذا القرار، علماً بأن هذا القرار جاء بناءً على توصية من منظمة الصحة العالمية في عام 2019 حول هذا الشأن المتعلق بإزالة الحشيش من "الجدول الرابع" المعني بالمواد الخطرة والمهددة للصحة العامة، والتي ليست لها فوائد طبية علاجية، وهذا الجدول يشمل مواد مخدرة قاتلة أخرى مثل الكوكايين، والفنتانيل(fentanyl)، والهيروين، والميثادون(methadone)، والمورفين، والأفيون، والأكسيكودون(oxycodone).

 

وجدير بالذكر فإن هذا الجدول الرابع الخاص بالمواد الشديدة الخطورة على صحة البشر، وأكثرها إدماناً، تمت الموافقة عليه في المعاهدة الدولية لعام 1961 حول الأدوية المخدرة(Single Convention on Narcotic Drugs). فهذا القرار الأممي الذي وافقت عليه 27 دولة، يؤكد صحة نظريتي ورؤيتي في أن العالم يتجه نحو تحليل الحشيش وغيره من المخدرات بشكلٍ تدريجي بطيء، يبدأ برفع الحشيش من قائمة المواد المهددة بالإدمان للإنسان، ثم محاولة تبرير هذا القرار بوجود فوائد صحية وعلاجية للحشيش ومنع تجريم حيازته بصفةٍ شخصية.

 

 وفي السياق نفسه، فهناك الولايات المتحدة الأمريكية التي أضربها دائماً كمثال حي يثبت نظريتي حول التحليل التدريجي، ليس للحشيش فحسب، وإنما لمخدرات أخرى ثقيلة على البشر ومعروفة بتدميرها للمجتمع الإنساني برمته مثل الهيروين.

 

ففي الولايات المتحدة الأمريكية تبدأ قصة تحليل الحشيش أولاً على مستوى الولايات، فكل ولاية تشرع ما يناسبها حول الحشيش والمخدرات الأخرى، ثم على المستوى الفيدرالي. أما على مستوى الولايات، فولاية أوريجن كانت دائماً سباقة في القرارات المتعلقة بالحشيش خاصة، والمخدرات عامة، فهي كانت أول ولاية لم تجرم حيازة الحشيش في عام 1973، ولا تجرم من يتعاطاه للتسلية والترويح عن نفسه، ولذلك وبهذا القرار فتحت أبواب جهنم على مصراعيه للولايات الأخرى وشجعتها على اتخاذ إجراءات وقرارات مماثلة بالنسبة لتحليل الحشيش، فإما قرار عدم تجريم حيازته كخطوة شيطانية أولى، أو السماح له للاستخدام الفردي والترويح عن النفس، وإما السماح لاستخدامه لأهداف طبية كدواء وعلاج لبعض المرضى. وفي عام 1996 اتخذت ولاية كاليفورنيا قراراً تاريخياً على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية تمثل في استخدام الحشيش للأغراض الطبية وعلاج المرضى، ثم جاءت ولاية كولورادوا ففتحت الباب على مصراعيه في عام 2012  لاستخدام الحشيش للترفيه والترويح عن النفس. ومنذ ذلك الوقت وحتى الاستفتاء الذي أجري في الخامس من نوفمبر من العام الجاري أثناء الانتخابات الرئاسية، هناك الآن 36 ولاية سمحت بالحشيش لأغراض طبية، و15 ولاية للترفيه والترويح عن النفس، وولاية واحدة هي أوريجن صوتت ولأول مرة في التاريخ الأمريكي خاصة وتاريخ المجتمعات البشرية عامة، على التوقف عن تجريم حيازة واستخدام الهيروين، والكوكايين، وميث أمفيتامين، وأوكسيكودون، وغيرها من المخدرات، وذلك بغرض الاستخدام الشخصي، ولأغراض الترفيه والترويح، وهذا يعني أنه في حالة الإمساك بك وأنت بحوزتك هذه المخدرات، فإنك لن تعاقب، ولا تدخل السجن، وكل ما عليك القيام به هو دفع غرامة رمزية بسيطة جداً.

 

وأما على المستوى الاتحادي، فقد تبنى مجلس النواب قراراً تاريخياً بالأغلبية في الرابع من ديسمبر على رفع إسم الحشيش من قائمة المواد المحظورة والشديدة الخطورة والتي تُعرف بالجدول الأول، حيث وافق 228 نائباً وعارض القرار 164، وهذا القرار يُعد أول تحرك رسمي تشريعي على المستوى الفيدرالي، والخطوة الأولى تجاه تحليل الحشيش مستقبلاً.

 

فالشواهد والدلائل على مستوى كل دولة على حدة، وعلى مستوى دول العالم ممثلة في هيئات الأمم المتحدة، كلها تؤكد بأن تحليل المخدرات بكل أنواعها وأشكالها قادم لا محالة، مما يحتم علينا في الدول العربية الإسلامية أن نكون يقظين لمواجهة مثل هذه القرارات المدمرة للأفراد، والأسر، والمجتمعات برمتها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق