الأحد، 6 ديسمبر 2020

سيارات الجازولين في مفترق طرق

أعلن رئيس وزراء بريطانيا بورس جونسون في 20 نوفمبر من العام الجاري بأن بريطانيا ستتوقف عن بيع جميع أنواع السيارات التي تعمل بوقود الجازولين والديزل بحلول عام 2030، كما أفاد بأنه سيخصص مبلغ 12 بليون جنيه للاستثمار في ما أَطلق عليه بـ "الانقلاب الصناعي الأخضر"، وأن هذا الانقلاب سيحدث "الطفرة البيئية"( eco-boom) المنتظرة، ومن بينها تخصيص 582 جنيهاً للسيارات الكهربائية.

 

وجدير بالذكر فإن الاتحاد الأوروبي اتخذ قراراً قبل سنوات بأن منع بيع مثل هذه السيارات سيبدأ في عام 2040، أي أن بريطانيا ستبدأ في تطبيق هذا البرنامج الأوروبي مبكراً وقبل الاتحاد الأوروبي بخمس سنوات، كما أن دولاً أخرى ستتبنى السياسة نفسها وتعتزم تقديم برنامج التخلص من سيارات الجازولين والديزل وإحالتها على التقاعد المبكر، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، حسب إعلان جو بايدن الرئيس المنتخب والمنشور في صحيفة الواشنطن تايمس في 17 نوفمبر من العام الجاري ضمن خطته حول المناخ والطاقة، حيث أكد على أنه سيُحول أُسطول السيارات الفيدرالية الحكومية الذي يبلغ عدده 650 ألف إلى سيارات كهربائية، كما أكد حاكم ولاية كاليفورنيا بأنه بحلول عام 2035 ستكون جميع السيارات في كاليفورنيا لا تنبعث منها أية ملوثات.

 

فهذه المبادرات البريطانية والأوروبية والأمريكية الطموحة تصب في تنفيذ سياسة عامة واستراتيجية مستقبلية لتحقيق التنمية المستدامة في قطاع المواصلات والقيام بالانقلاب الصناعي الأخضر في كافة القطاعات الصناعية وغير الصناعية. 

 

فمثل هذه السياسات الحكومية الرسمية توفر غطاءً سياسياً قانونياً للشركات والمصانع المنتجة للسيارات بشكلٍ عام، وبخاصة السيارات الكهربائية، فتوفر لها الأمان والضمان الاقتصادي عند الاستثمار في السيارات البديلة عن السيارات التي تعمل بالوقود الأحفوري النفطي، أو الغاز الطبيعي، كما إن هذه السياسات المعتمدة إقليمياً ودولياً تشجع كافة المستثمرين والمنتجين للسيارات إلى ضخ أموالٍ كبيرة لتمويل ودعم وتطوير السيارات النظيفة غير الملوثة للبيئة، والمعتمدة على مصادر الطاقة المتجددة وغير الناضبة.

 

فعلى سبيل المثال، أعلنت الشركات الألمانية المنتجة للسيارات مؤخراً بأنها ستضخ مبلغاً وقدره قرابة 68 بليون دولار لتطوير وإنتاج السيارات الكهربائية، إضافة إلى السيارات ذاتية التشغيل، فشركة فولكس واجن الألمانية، وهي أكبر شركة مصنعة للسيارات، بدأت سباق الماراثون نحو السيارات الكهربائية بخطى واسعة وسريعة، حيث عقدت صفقة مع شركة نورث فولت السويدية(Northvolt) لإنشاء مصنعٍ لصناعة بطاريات أيونات الليثيوم للسيارات الكهربائية في ألمانيا، حيث بلغت قيمة الاستثمار النهائي نحو 33 بليون دولار خلال الأربع سنوات القادمة.

 

فما موقف دول مجلس التعاون، والبحرين بالتحديد من هذه التحولات الجذرية والتغييرات السياسية في مجال المواصلات عامة، وسيارات الجازولين والديزل خاصة؟

 

أما بالنسبة للبحرين فهناك العديد من المبررات والعوامل التي تفرض علينا تبني سياسات محددة في قطاع المواصلات، وبالتحديد بالنسبة للسيارات التي تسير في شوارعنا. أما المبرر الأول فهو الازدحام المتزايد للسيارات في شوارعنا المحدودة والضيقة نسبياً مقارنة بمساحة البحرين الصغيرة جداً، ففي عام 2015 كان عدد السيارات المسجلة 545 ألف، ثم قفز إلى 653 ألف في عام 2016، وفي عام 2017 زاد مرة أخرى فبلغ 686150، واليوم وصلت السيارات إلى أكثر من 711 ألف، أي بزيادة سنوية أعلى من 10%، وهذه الزيادة مستمرة وبمستويات عالية، ولن تتوقف إذا تركنا كما يقول المثل "الحبل على الغارب"، وكأن شيئاً لم يكن، وبالتالي تُعد البحرين مقارنة بدول العالم من أشدها كثافة مرورية!

 

وهذه الظاهرة غير الطبيعية يكتوي كل الناس من تداعياتها، وبالتحديد المتمثلة في الاكتظاظ المروري العقيم في كل شوارع البحرين وفي جميع الأوقات من اليوم، بحيث إن أخلاقيات الناس وسلوكياتهم وتصرفاتهم أثناء السياقة قد تغيرت وأصبحت أكثر حدة وأنانية وغضب نتيجة لطول الانتظار في الشوارع، وبطء الحركة المرورية.

 

فشدة الازدحام هي واحدة فقط من التداعيات والانعكاسات التي تنتج عن ظاهرة الازدياد المتعاظم في أعداد السيارات، وهي من أشدها وطأة على الناس لأنهم يشاهدونها أمامهم كل ساعة من اليوم والليلة ويعانون منها بشكلٍ مباشر. ولكن في الوقت نفسه يجب ألا نحصر ونختزل مردودات ارتفاع أعداد السيارات في قضية الازدحام المروري فقط والحوادث المؤلمة التي نراها أمامنا في كل يوم، فهناك تداعيات أخرى كثيرة ومتشعبة لا تقل تأثيراً علينا وعلى صحتنا وبيئتنا وتنميتنا وأمن الطاقة في بلادنا من الازدحام.

 

فهناك الجانب البيئي الصحي المتمثل في ارتفاع نسبة الملوثات التي تنبعث من عوادم أكثر من 711 ألف سيارة،  كما أن مشكلة السيارات تتمثل أيضاً في آلاف الأطنان من المخلفات السائلة والصلبة التي تنتج يومياً من الصيانة الدورية للسيارات، إضافة إلى مخلفات السيارات القديمة نفسها بعد أن ينتهي عمرها الافتراضي، فكل هذه المخلفات تشكل تحدياً كبيراً للمسؤولين عنها، وبحاجة إلى إدارة سليمة من الناحيتين البيئية والصحية. 

 

كذلك فإن ظاهرة الازدياد في السيارات تمثل عبئاً كبيراً على أمن الطاقة في البحرين، وبخاصة الجهات المعنية عن تكرير النفط وتوفير وقود السيارات من جازولين وديزل بشكلٍ يومي لهذه الأعداد المهولة التي تستنزف مع الوقت هذا المصدر غير المتجدد والناضب للطاقة وبالتحديد لوقود السيارات.

 

وجدير بالذكر فإن برنامج عمل الحكومة يحتوي على بنود تتناول هذه الجوانب المتعلقة بأمن الطاقة، مع العناية الخاصة بمصادر الطاقة البديلة، ففي" مجال البيئة واستخدام الموارد، يتم العمل على تنظيم الحماية والاستدامة البيئية، وتحسين كفاءة استخدام وترشيد استهلاك الموارد والطاقة، وتشجيع إنتاج واستخدام الطاقة المتجددة والاستثمار فيها".

 

ولكن برنامج الحكومة، هو في الحقيقة ليست برامج، فهي عبارة عن سياسات عامة، فلا يُقدم برنامج الحكومة الخطوات العملية التي ستتخذها من أجل تنفيذ هذه السياسات على أرض الواقع، ولا يقدم الحدود الزمانية والمكانية لتنفيذه، إضافة إلى معرفة الجهة المسؤولة عن تنفيذ كل برنامج على حدة حتى تكون هناك متابعة ومحاسبة لهذه الجهة.

 

ولذلك في مجال المواصلات، وبالتحديد السيارات، أُقدم التصورات التالية استناداً إلى سياسات وبرامج الحكومة والتوجهات الدولية، كما يلي:

أولاً: على الحكومة العمل بسياسة "التنوع في مصادر الوقود للسيارات"، فلا تعتمد كلياً على مصادر الطاقة الأحفورية غير المتجددة والملوثة للبيئة كالجازولين والديزل، وإنما تسعى من الآن إلى إدخال مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة، مثل الطاقة الكهربائية وغيرها لتشغيل السيارات، أي تشجيع وتحفيز القطاع الخاص على استيراد السيارات الكهربائية، وتوفير البنية التحتية اللازمة لها، وبخاصة محطات شحن السيارة بالكهرباء.

ثانياً: على الحكومة تحديد مؤشرات تحقيق التنمية المستدامة في قطاع المواصلات من أجل تقييم وقياس مدى نجاح وفاعلية هذا البرنامج، منها التغير السنوي في استهلاك وقود السيارات، ومنها نسبة الملوثات التي تنطلق من هذا القطاع، وبخاصة المتعلقة بالتغير المناخي مثل غاز ثاني أكسيد الكربون.   

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق