الأربعاء، 9 ديسمبر 2020

بين سياسة ترمب وبايدن لمواجهة كورونا


لا شك بأن سياسة الرئيس المنتخب جو بايدن في مجال مكافحة وباء فيروس كورونا ستختلف جذرياً عن ترمب، الذي في واقع الأمر لم تكن لديه سياسة، أو استراتيجية واضحة المعالم على المدى القريب أو البعيد، وكان يفتقر إلى وجود خطة عملية مرسومة بدقة لمواجهة هذا الوباء الدولي العصيب والقاتل.

 

فالرئيس ترمب كان يدلي بتصريحات متناقضة ومختلفة في كل وقت ومبنية على آراء شخصية، ومواقف أهدافها سياسية بحتة، ففي البداية لم يعترف بوجود المرض كلياً، فاعتبر الوباء خدعة صينية، أو من إبداعات الحزب الديمقراطي، ثم بعد تفشي المرض في كل دول العالم ووصوله إلى عقر داره، قال في عدة مناسبات بأن هذا المرض بسيط، وأنه لا يختلف كثيراً عن مرض البرد العادي، أو الإنفلونزا الموسمية ويمكن السيطرة عليه والقضاء عليه كلياً، كما أدلى بتصريحات غير علمية ولا تستند إلى آراء العلماء والأطباء ولا تعتمد على أي دليل طبي من ناحية فاعلية وسلامة بعض الأدوية التي يمكن استخدامها لعلاج الوباء.

 

وفي الوقت نفسه فإن الرئيس ترمب لم يقرر اتخاذ أي إجراء على المستوى الاتحادي لخفض أعداد المصابين بالمرض، بل إنه كان يصر على عدم تعميم أخذ الفحوصات لمعرفة درجة العدوى في البلاد لتضليل الشعب بأن أعداد المصابين منخفضة، كما إنه لم يلزم الشعب الأمريكي على اتخاذ التدابير والإجراءات الشخصية الوقائية التي تبنتها كل دول العالم ونفذتها بصورة جماعية، مثل إغلاق المدن الأمريكية، أو لبس الكمامات الوقائية للفم والأنف، أو التباعد الاجتماعي وتجنب الاجتماعات واللقاءات الجماعية، بل كان يتحدى تنفيذ مثل هذه الإجراءات، فلا يرتدي كمامة إلا نادراً، ويتعمد إلى تنظيم اجتماعات وحملات انتخابية علنية وعامة دون أخذ أية احتياطات وقائية، سواء منه شخصياً أو من قبل الناس، كما كان في الوقت نفسه يهمش نتائج الدراسات العلمية، ويقلل من شأن ورأي العلم والعلماء، بل ويهاجمهم إذا اختلفوا معه في الرأي، وذلك حفاظاً على كرسيه في البيت الأبيض، وحماية للاقتصاد من التدهور.       

 

 ولذلك أجمع الكثير من العلماء على أن ترمب يهدد العلم والبحث العلمي، ويسبب عدم ثقة الشعب الأمريكي بالعلماء ونتائج دراساتهم العلمية، فاضطروا إلى الدعوة للتصويت لبايدن. فعلى سبيل المثال نشر 81 عالماً من الذين نالوا شرف جائزة نوبل خطاباً يدعون فيه إلى عدم ترشيح ترمب، كما أن مجلة "العلم"(Science) التي تصدر منذ عام 1880، أي عمرها 140 عاماً، إضافة إلى مجلة نيو إنجلند للطب(The New England Journal of Medicine) التي تُعتبر من أقدم وأعرق المجلات العلمية وأكثرها مصداقية في مجال الطب ولها وزنها الثقيل بين جميع علماء العالم، والتي بدأت في الإصدار في عام 1812، أي قبل 208 سنة، ومجلة "العلمي الأمريكي"( Scientific American)التي يبلغ عمر صدورها أكثر من قرن، كلها دعت إلى عدم التصويت لترمب.

 

أما الرئيس المنتخب بايدن، فأستطيع من خلال تحليل تصريحاته وخطبه أثناء حملته الانتخابية وبعد إنتخابه رئيساً، وقراءة مواقفه أن أؤكد بأنه اعتمد مدخلاً وسياسة مختلفة كلياً عن ترمب. فأما المدخل الأول فهو إعادة الثقة بالعلماء والخبراء والاستناد في قراره وسياساته على نتائج أبحاثهم، حيث تمثلت خطوته الأولى في الإعلان في التاسع من نوفمبر عن تشكيل مجلس استشاري يتألف من كبار العلماء والأطباء المختصين في مجال الأمراض المعدية والصحة العام، إضافة إلى وضع استراتيجية حديثة مبنية على العلم وآراء العلماء، وتستند إلى الدراسات العلمية المتعلقة بالفيروس، وفي الوقت نفسه طلب من أنتوني فوشي العضو الحالي في فريق عمل ترمب لفيروس كورونا ومدير المعهد القومي للحساسية والأمراض المعدية بأن يعمل كمستشار طبي رئيس له، وعضو في اللجنة المختصة بمكافحة كورونا.

 

وأما المدخل الثاني فيتمثل في تنفيذ إجراءات محددة لمواجهة المرض ومنع انتشاره بين الشعب الأمريكي، إضافة إلى تجنب إغلاق مدن أمريكا وضرب الاقتصاد الأمريكي، أي التوازن ما بين حماية صحة الشعب وحماية اقتصاد البلاد، ومنها إلزام الشعب الأمريكي للبس الكمامة لمدة مائة يوم فقط كخطوة أمامية ووقائية من المرض، والخط الدفاعي الأول لمكافحته، حيث صرح في الرابع من ديسمبر بأنه سيطلب من الشعب الأمريكي لبس الكمامة للمائة يوم الأولى من بعد تسلمه لقيادة البيت الأبيض وتسلمه لزمام الأمور، فقال: "مائة يوم فقط وليس للأبد، مائة يوم وسنرى انخفاضاً ملحوظاً".

 

وأما المدخل الثالث فهو السياسة العلاجية ومنع المرض والتي تتمثل في تقوية ثقة الجمهور بفاعلية وسلامة اللقاح الخاص بفيروس كورونا، حيث أكد ثلاثة رؤساء أمريكيين سابقين في الثالث من ديسمبر، وهم كلينتون وبوش وأوباما، إضافة إلى الرئيس المنتخب جو بايدن نفسه، بأنهم سيكونون في مقدمة المتلقين لجرعاتٍ من اللقاح أمام الشعب الأمريكي لتزيد ثقته بأنه آمن وفاعل وسليم.

 

وأما السياسة الرابعة، أو المدخل الرابع فيكمن في توسعة برنامج إجراء الاختبارات للفيروس للأمريكيين في جميع المدن والولايات، ووضع نظام لمتابعة الحالات المصابة عن قرب، ومراقبة وتسجيل مخالطاتهم مع الناس، وإنشاء ما يعرف "لوحة الوباء القومي"(Nationwide Pandemic Dashboard) لمعرفة مدى انتشار وتفشي المرض وتسجيل كل الحالات.

 

وأما السياسة الخامسة فهي التعاون والتنسيق مع المجتمع الدولي في مجال مكافحة وباء فيروس كورونا، وتبادل الخبرات والمعلومات عن كل ما يتعلق بالفيروس، وفي هذا الصدد تعهد بإعادة عضوية أمريكا في منظمة الصحة العالمية والقيام بدعمها مالياً وفنياً وتقنياً.

 

والسياسة السادسة فتتمثل في تحقيق العدالة في توزيع الخدمات الصحية والمرافق الصحية العامة وتوفيرها للجميع بالتساوي بالنسبة لمكافحة الأمراض عامة مرض كورونا خاصة، حيث إن الدارسات أفادت إلى أن الأقليات من الفقراء والمهمشين هم الأكثر إصابة وموت من الفيروس، مثل السود والسكان الأمريكيين الأصليين.

 

ومع كل هذه السياسات المشرقة والإيجابية، هل سينجح بايدن في وقف النزيف الأمريكي من أعداد الموتى والمصابين، التي بلغت أكثر من 14.6 مليون مريض بالفيروس، ونحو 300 ألف لقوا حتفهم ونقلوا إلى مثواهم الأخير؟

 

هناك تعليقان (2):

  1. اشكرك بروفيسور شكرا جزيلا والشكر لله وفوق كل ذي علم عليم

    ردحذف
  2. أشكرك جزيل الشكر على ما ابديت أبدى لنا المولي صالح اعماله

    ردحذف