الأربعاء، 11 مايو 2022

جماعات تفوق العرق البيض: ظاهرة قومية أم دولية؟

الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي أُجريت في أبريل 2022 أفادت بأن النصرانية اليمينية المتطرفة ماريان لوبان قد حصلت على 41.5% من إجمالي الأصوات، أي 13297760 صوتاً فرنسياً، وهذه النتيجة أعلى وأفضل من نتيجة الانتخابات التي أُجريت في عام 2017، والتي حصلت فيها على نسبة أقل وهي 33.9%.

 

فهذه النتيجة في حد ذاتها تشير إلى بُروز ونمو عدة حالات ومظاهر في المجتمع الفرنسي، ومنها استفحال ظاهرة محددة بدأت معالمها وصورتها تتضح يوماً بعد يوم، وهي ظاهرة "القومية والشعبوية"، وتوجه المجتمع الفرنسي نحو التشدد والتطرف، وكُره الآخرين، والابتعاد عن مبدأ التسامح والحرية والتعددية الفكرية.

 

فهل هذه الحالة الفرنسية فريدة من نوعها ولا توجد مثلها في دول غربية أخرى، أم أنها ظاهرة عامة تفشت وتخطت الحدود الجغرافية لكل دولة؟

 

وهل الجماعات اليمينية المتطرفة والعنيفة في بعض الأحيان الموجودة في فرنسا تشترك مع جماعات وحركات أخرى في الأفكار والممارسات، والتي ظهرت في دول محددة مثل ألمانيا، والنرويج، والسويد، وفنلندا، والنرويج، والولايات المتحدة الأمريكية، وأستراليا وغيرها؟ وهل ترتبط مع بعض وتُنسق أنشطتها على المستوى الخارجي ولها علاقات تعاون وثيقة؟

 

في الواقع فإن هذه الجماعات قد تختلف في مسمياتها وعناوينها، ولكن تشترك مع بعض في وصفها، وأهدافها، وأفكارها، وممارساتها إلى حدٍ بعيد. فهناك الجماعات القومية والشعبوية، وهناك حركة النازيين الجدد، وهناك جماعات تفوق العرق الأبيض، وكلها من النصارى البيض، ومن أقصى اليمين المتشدد والذي يميل إلى العنف والقيام بأعمال إرهابية، وكلها تكره الجنس الآخر والأديان الأخرى، وكلها تقف ضد التجنيس، وفي بعض الحالات كالولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا تحارب الحكومة الاتحادية. 

 

وهناك الكثير من المقالات، والدراسات، والتقارير الحكومية وغير الحكومية التي تجيب عن هذه الأسئلة من خلال تحليل أفكار وتصريحات المسؤولين عن هذه الجماعات، وتقييم ودراسة العمليات الإرهابية التي قاموا بها في عدة دول(مثلاً في مدينة أوكلاهوما بولاية أوكلاهوما، ومدينة ألباسو في تكساس، وفي النرويج، وفي نيوزلندا)، وتمخضت عنها استنتاجات عامة تتلخص في ما يلي:

أولاً: هذه الجماعات النصرانية اليمينية المتشددة بدأت تظهر بشكلٍ علني وواضح في المجتمعات الغربية في السنوات القليلة الماضية، وهذه الحركات كشفت عن هويتها الحقيقية المتطرفة الآن بدون خوف، أو حياء، وتمارس أفكارها المظلمة تحت ستار الأحزاب الرسمية، وتحت غطاء سياسي معترف به من الحكومات بحجة حرية الرأي والتعبير، والتعددية الفكرية.

ثانياً: هذه الجماعات تشترك في الكثير من أهدافها وأفكارها المتمثلة في تفوق العرق الأبيض، وكره الأجانب، والتعصب الديني، وممارسة العنصرية، والميل في بعض الحالات نحو العنف والإرهاب.

ثالثاً: يوجد تنسيق بين هذه الحركات عبر القارات وعبر الحدود الجغرافية للدول، كما توجد روابط وعلاقات بينها في تنفيذ بعض البرامج، وبعض أفراد هذه الجماعات الذي قام بعمليات إرهابية معروفة قد تأثر بأفكار وممارسات شخصيات متطرفة موجودة في دول أخرى.

رابعاً: هناك شبه إجماع عند المفكرين وبعض السياسيين والعلماء في الغرب على تصنيف هذه الحركات اليمينية العنيفة المتطرفة على أنها "منظمات إرهابية أجنبية وخارجية"، على غرار تصنيف الجماعات الإسلامية، مثل القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية. 

 

ومن هذه المنشورات، المقال الذي كتبه ماكس روز عضو سابق في الكونجرس الأمريكي، وجاك روزن رئيس المؤتمر الأمريكي اليهودي، العضوان في "المجلس الاستشاري لمكافحة تفوق العرق الأبيض والإرهاب الداخلي"، في مجلة "النيوزويك" الأمريكية في الأول من مايو 2022 تحت عنوان: "تطرف تفوق العرق الأبيض لم يعد قضية داخلية. إنها قضية دولية"، حيث يفيد المقال بأن الإرهاب الداخلي الأمريكي من جماعات تفوق العرق الأبيض مرتبط بشبكة دولية من الأنشطة الإرهابية لهذه الجماعات، وتتعدى الحدود الجغرافية للولايات المتحدة الأمريكية لتصل إلى ألمانيا، وأستراليا، وكندا، وروسيا، وبريطانيا، ودولة جنوب أفريقيا. كما يشير المقال إلى أن هذه الشبكة الدولية هي نواة الأفكار المتطرفة العنيفة، وهي التي تغذي الآخرين بمثل هذه المبادئ المتشددة.

 

كذلك هناك الدراسة المنشورة من مركز سوفان(Soufan Center)، وهو منظمة مستقلة للأبحاث والسياسات حول قضايا الأمن الدولي، في 27 سبتمبر 2019، تحت عنوان: "تطرف تفوق العرق الأبيض: صعود حركة تفوق العرق الأبيض العنيفة عبر الحدود الجغرافية"، حيث خلصت الدراسة إلى أن جماعات تفوق العرق الأبيض "تُقوي شبكتها عبر الحدود القومية، حتى إنها تُقلد تكتيكات وأساليب مجموعات مثل القاعدة وتنظيم الدولة. فهذه الشبكات تشترك في أسلوب عملها وممارساتها من حيث تجنيد الأفراد الجدد، وفي وسائل التمويل، وطرق الدعاية التي تتبعها". فهذا التقرير من "مركز سوفان" يشير إلى أن أعمال هذه الجماعات اليمينية المتطرفة تتخطى حدود الدولة الواحدة، فهي ليست حركة قومية داخلية على مستوى الولايات المتحدة، ولكنها حركة عابرة لحدود الدول، ولها اتصالات وروابط مع شبكات لها نفس الهدف، وتتبنى السياسات نفسها، وتمارس أسلوباً مشابه في العمل، وتشترك في برامج موجهة لعامة الناس من أجل تجنيدهم وضمهم إلى هذه الحركة.

 

كما أصدر "مركز سوفان" في 12 أغسطس 2020 تقريراً خاصاً تحت عنوان: "شبكة أَتُومْوافِن: نشؤ تهديد تفوق العرق الأبيض"، وهذه الحركة الجديدة(Atomwaffen)، تعتبر شبكة للنازيين الجدد في ألمانيا، ولكن لها جذور في الولايات المتحدة الأمريكية وفي دول أخرى، وانكشفت هذه الجذور والعلاقة في المسيرة العنيفة التي نُظمت في مدينة شارلتسفيل(Charlottesville) في ولاية فيرجينيا في 12 أغسطس عام 2017، تحت شعار "وحدوا اليمين"، حيث وقعت صدامات عنيفة بين جماعات تفوق العرق الأبيض وجماعات أخرى معارضة، كما أثبت التقرير نفسه بأن هذه الحركة اليمينية الألمانية لها الآن ارتباطات واتصالات بمجموعات أخرى موجودة في السويد، وبريطانيا، وكندا، وأوكرانيا.

 

وعلاوة على ما سبق، هناك التقرير الخاص الصادر من مشروع بحثي قامت به إدارة "مراقبة تهديد الإرهاب الداخلي" أو "دِي تِي تي إِم"( Domestic Terrorism Threat Monitor) التابعة لـ "معهد الشرق الأوسط للأبحاث الإعلامية" أو "إم إي إم آر آي"(The Middle East Media Research Institute) في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي منظمة مستقلة غير ربحية، وغير حزبية في العاصمة الأمريكية. وهذه الدراسة المتخصصة المنشورة في 12 نوفمبر 2021 جاءت تحت عنوان: "التطرف في الجيش الأمريكي: دراسة لأنشطة النازيين الجدد وتفوق العرق الأبيض في الجيش عبر الإنترنت"، حيث أشار التقرير إلى هذا التهديد الداخلي المستور الذي كشفه حول تجذر العناصر المتطرفة والعنصرية في الجيش الأمريكي منذ سنوات، والذي برز إلى السطح مؤخراً، وبالتحديد أثناء حكم ترمب، حيث تنبه الرئيس الحالي بايدن إلى خطورة هذه الظاهرة وأمر بمراقبتها، ومكافحتها، واستئصالها من الجيش الأمريكي في كل فروعه.

 

كما نشرتْ هذه المنظمة "إم إي إم آر آي"، تقريراً يوصي فيه تصنيف المجموعات اليمينية المتطرفة والعنيفة في الولايات المتحدة وفي الدول الأخرى كمنظمات إرهابية أجنبية، وجاء التقرير تحت عنوان: "التوصية للتصنيف المستقبلي للمجموعات المتطرفة العنيفة كمنظمات إرهابية أجنبية حسب الأمر التنفيذي رقم 13224". فهذا الأمر التنفيذي (Executive Order 13224) الصادر من مكتب مكافحة الإرهاب ووقعه الرئيس الأسبق جورج بوش الابن في 23 سبتمبر 2001 تحت عنوان: "تجميد ممتلكات وحظر التعامل مع الأشخاص الذين يرتكبون أعمال إرهابية أو يُهددون بارتكابها أو يدعمونها"، تَكون من عدة بنود، منها الإعلان عن حالة الطوارئ على المستوى الاتحادي للتعامل مع حادثة الحادي عشر من سبتمبر والإرهاب الخارجي الأجنبي بشكلٍ عام، ومنها البند المتعلق بـ "معايير تصنيف الجماعات الإرهابية الأجنبية". وهذا البند يعطي صلاحية التصنيف لوزارة الخارجية، بالتشاور مع وزارة المالية والنائب العام، كما يقدم تعريفاً لمصطلح "الإرهاب" بأنه "نشاط عنيف، أو عمل خطر يهدد حياة الإنسان، أو ممتلكاته، أو البنية التحتية، وهذا النشاط يهدف إلى إرهاب المدنيين، أو التأثير على سياسة الحكومة، أو التأثير على ممارسات الحكومة من خلال عمليات التدمير الشامل، أو القتل، أو الخطف، أو أخذ الرهائن". وفي الوقت نفسه يقدم البند المعايير الخاصة بتصنيف "منظمة الإرهاب الأجنبي"( Foreign Terrorist Organization)، وهي أن تكون المجموعة أجنبية، وتهدد الأمن القومي الأمريكي، أو الأمريكيين، وتشارك في أنشطة إرهابية، أو لها القدرة والنية لتنفيذ عمليات إرهابية".

 

وحسب هذا الأمر التنفيذي الرئاسي الأمريكي فإن هناك عدة جماعات موجودة في أمريكا وفي خارج أمريكا تحت مسميات مختلفة، وتنطبق عليها مواصفات ومعايير تصنيف "منظمة الإرهاب الأجنبي"، مثل حركة النازيون الجدد، وجماعات تفوق العرق الأبيض، وجماعة "الأولاد الفخورون"(Proud Boys)، و"القاعدة"( The Base).

 

فالسؤال المطروح الآن، وطرحه الكثير من الباحثين في دراساتهم وأبحاثهم: لماذا لا تُصنِّف الولايات المتحدة الأمريكية ودول غربية أخرى هذه الجماعات النصرانية الدولية اليمينية العنيفة كمنظمات إرهابية تهدد الأمن القومي الأمريكي الداخلي، أو أمن الدول الغربية الأخرى؟ أم أن هذا التصنيف خاص فقط للجماعات التي تدين بالإسلام؟ وهل هذا يقدم مثالاً صارخاً جديداً على ازدواجية المعايير الغربية والكيل بمكيالين؟

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق