الاثنين، 9 مايو 2022

الأقمار الصناعية أهداف عسكرية

صدر منشور من البيت الأبيض في 18 أبريل 2022 تحت عنوان: "نائبة الرئيس هاريس تُقدم أعرافَ الأمن القومي في الفضاء"، حيث أعلنت كاملا هاريس من البيت الأبيض بصفتها رئيسة مجلس الفضاء القومي(National Space Council) عن إنهاء الولايات المتحدة الأمريكية للتجارب الخاصة بأسلحة تدمير الأقمار الصناعية في الفضاء، والتي تُعرف بتجارب صواريخ التدمير المباشر ضد الأقمار الصناعية( Destructive Direct-Ascent Anti-Satellite Missile Testing)، أو "أي إس أي تي(ASAT)، كما أكدت على تعهد الولايات المتحدة على التخلي عن مثل هذه التجارب الفضائية التي تُحوِّل الفضاء إلى ساحة وميدان للقتال ووقوع المعارك بين دول العالم، وتجعل من الأقمار الصناعية أهدافاً عسكرية مشروعة، كما تحول الفضاء إلى ساحة غير آمنة وغير مستدامة للأعمال التنموية المتزايدة كثيراً، والمتمثلة في تدشين الآلاف من الأقمار الصناعية والسفن الفضائية التي تخدم البشرية جمعاء في مجالات الاتصالات، والمناخ والطقس، والبيئة، والأمن، والموصلات.

 

كذلك أفادت نائبة الرئيس الأمريكي بأن الحكومة الأمريكية ستعمل مع الدول الأخرى على تأسيس شراكة فضائية، ووضع أعرافٍ وسلوكيات دولية مشتركة حول إدارة البيئة الفضائية، إضافة إلى الاتفاق على إجراءات محددة جماعية تمنع زيادة وتراكم مخلفات الفضاء في مدارات الأرض، والتي تنتج عن مثل هذه التجارب. وقد تجاوبت بعض دول العالم مع هذه الدعوة الأمريكية، منها اليابان التي أعلنت ترحيبها للانضمام إلى هذه المبادرة الأمريكية على لسان وزارة الخارجية من خلال البيان الصادر في 25 أبريل.

 

وقد جاءت هذه الدعوة الأمريكية كردة فعل على التجارب التي تجريها بعض دول العالم في صناعة صواريخ قادرة على تدمير الأقمار الصناعية في مدارات الأرض، أو زرع ألغامٍ فضائية في المدارات قادرة على تفجير الأقمار الصناعية، أو الاصطدام بها وتعطيلها، أو تشويش عملها وبرامجها. وكانت التجربة الأخيرة هي التي قامت بها روسيا في 15 نوفمبر 2021 عندما فجَّرت قمراً صناعية عاطلاً عن العمل في مدار الأرض باستخدام صاروخ باليستي بعيد المدى. والجدير بالذكر أن هذه ليست التجربة الأولى التي تقوم بها روسيا، حسب ما ورد في تقرير "مؤسسة العالم الآمن"(Secure World Foundation) في أبريل 2022 تحت عنوان: "سياسة الولايات المتحدة الأمريكية بالتعهد بعدم إجراء تجارب تدمير للأقمار الصناعية، تحفز الآخرين بالانضمام"، فقد أجرت روسيا من قبل عشر تجارب منها في العشرين من أكتوبر 1968، و 23 أكتوبر 1970، والثالث من ديسمبر 1971. كذلك أجرت الولايات المتحدة منذ نهاية الخمسينيات من القرن المنصرم، وبالتحديد عام 1958 عدة أبحاث وتجارب ميدانية فاشلة، ثم نجحت في آخر تجربتين، الأولى في 13 سبتمبر 1985 والثانية في الخامس من سبتمبر 1986، كما قامت الصين بتجربة مماثلة في 11 يناير 2007، والهند في 27 مارس 2019. 

 

وفي تقديري فإنني أشك في صدق نوايا دعوة الولايات المتحدة الأمريكية في منع تجارب الصواريخ المضادة للأقمار الصناعية وحث دول العالم على الانضمام لها، بالرغم من أنها دعوى ضرورية وحتمية لحماية الأقمار الصناعية التي تخدم البشرية في كل شبرٍ من كوكبنا بعيداً كان أم قريباً من الأنشطة البشرية التنموية. فالولايات المتحدة لا يمكن الوثوق بها، فهي تسعى دائماً لتحقيق هدفٍ واحد يتمثل في تحقيق واحتكار التفوق العسكري النوعي والعددي في جميع القطاعات الأمنية، في البر، البحر، والجو، فعندما انتهت من تجاربها الفضائية التي استمرت في سرية تامة وتحت جنح الظلام لعقود طويلة من الزمن، فانتهكت حرمات الفضاء وكأنها تملك هذا الفضاء لوحدها، وعاثت فيها فساداً وتدميراً وتلويثاً بالمخلفات منذ نهاية الخمسينيات حتى قبيل سنوات قليلة، وعندما تحقق لها الريادة والتفوق العسكري الفضائي، واستقرت وتفوقت أبحاثها وتجاربها على الدول الأخرى، وسيطرت على مجال الفضاء، عندها فقط تدعو إلى التوقف عن مثل هذه التجارب ومنع الآخرين من الولوج فيها وكسب الخبرات حولها من خلال اتفاقية دولية تلزم الآخرين إلى عدم القيام بها في المستقبل. فالولايات المتحدة نفسها هي أول دولة تنشئ جيشاً لغزو الفضاء والسيطرة عليه أمنياً، حيث خصص الرئيس الأسبق أوباما خمسة بلايين دولار لمدة خمس سنوات للإنفاق على تطوير القدرات الدفاعية والهجومية لبرنامج أمريكا العسكري الفضائي.

 

فهذا السيناريو الذي نشهده الآن مع استهداف وتدمير الأقمار الصناعية، يتطابق مع سيناريو التفجيرات النووية التي أجرتها الدول الصناعية المتقدمة في باطن الأرض، وفي المحيطات، وفي أعالي السماء لنيل التفوق والسبق في إنتاج القنبلة الذرية والأسلحة والذخائر الأخرى التي تستخدم الطاقة النووية الانشطارية والاندماجية، ولذلك عندما انتهت أمريكا من هذه المرحلة وتفوقت على العالم، بدأت تدعو إلى حظر أو خفض أعداد الأسلحة النووية في العالم، مثل المعاهدات الدولية أو الثنائية بين أمريكا وروسيا، كمعاهدة "خفض الأسلحة الاستراتيجية"(Strategic Arms Reduction Treaties).

 

ومهما كانت نوايا الولايات المتحدة الأمريكية، فإن الانضمام إلى أية اتفاقية في هذا المجال لا بد منه لسببين رئيسين. أما الأول فهو ضمان استدامة الأنشطة والبرامج الفضائية بكافة أنواعها وأهدافها، وبخاصة التي تهدف إلى خير البشرية جمعاء من خلال تدشين الأقمار الصناعية لتحقيق أهدافٍ تنموية أو محطات الفضاء الدولية لمواصلة الأبحاث والدراسات الفضائية، فالفضاء ملكية عامة مشتركة ولا يجوز لأية دولة أن تلعب فيه كيفما تشاء، وتعبث فيه فساداً وتدميراً. وأما السبب الثاني فإن تحقيق أمن الفضاء لا يتحقق إلا بتوقف تجارب تدمير الأقمار الصناعية، ففي حالة تفجيرها، تُولد مخلفات فضائية تتناثر وتنتشر وتسبح في مدارات الأرض، وقد تصطدم بأقمار صناعية فتفجرها أو تعطل عملها، أو أنها تهدد حياة رواد الفضاء في المحطات الفضائية. فدول العالم أجرتْ حتى اليوم 16 تجربة لتفجير الأقمار الصناعية، وهذه التجارب نجمت عنها أكثر من 6300 قطعة من المخلفات التي لا تزيد أحجامها عن سنتيمترات بسيطة وتدور في سرعة عالية جداً في مدارات الأرض. ولذلك فإن هذه التجارب ستفاقم من مشكلة المخلفات الفضائية التي نعاني منها حالياً لوجود مصادر أخرى لها. فقد نشرت "ناسا" تقريراً في 26 مايو 2021 تحت عنوان: "مخلفات الفضاء والسفن الفضائية"، وجاء فيه بأن هناك نحو 27 ألف قطعة من المخلفات الكبيرة في المدارات الأرضية تم الكشف عنها، علاوة على 23 ألف قطعة أكبر من كرة التنس الصغيرة، أو حجمها نحو 10 سنتيمترات في مدارات حول الأرض، إضافة إلى نصف مليون قطعة حجمها نحو سنتيمتر واحد، أو أكبر بقليل، ونحو مائة مليون قطعة حجمها مليمتر واحد فقط.

 

فلا بد إذن من حماية هذه الملكية العامة من أي مصدر يضر بأمنها واستدامة عطائها لينتفع منها الجميع، ويستفيد منها كل سكان الأرض حالياً ومستقبلاً.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق