الأحد، 26 يونيو 2022

تصادم بين موقف الأمم المتحدة وبعض دول العالم


أكد الأمين العام للأمم المتحدة في عدة لقاءات دولية، ومنها الاجتماع الأول للدول الأطراف في معاهدة الأمم المتحدة لحظر الأسلحة النووية، والذي عقد في فينا العاصمة النمساوية في الفترة من 21-23 يونيو 2020، على "الحاجة الملحة" للمنع الكامل للسلاح النووي، كما أكد على "التركيز على الجوانب الإنسانية الناجمة عن السلاح النووية".

فهل هذه النداءات المتكررة، والدعوات المستمرة من الأمين العام للأمم لحظر السلاح النووي كلياً تلقى صدى، وآذاناً صاغية لدى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة؟ أم أن صرخات الأمين العام في وادٍ وممارسات وأفعال الدول في واد آخر؟

فعندما بحثتُ في قضية امتلاك الدول للسلاح النووي من ناحية العدد والنوعية، وجدتُ بأنه بالنسبة لهذه القضية المهددة لأمن البشر وسلامة الكرة الأرضية واستدامتها، فإن دول العالم غير معنية بتوجهات ومبادئ وسياسات الأمم المتحدة، حتى ولو انضمت بعضها إلى معاهدات ثنائية أو دولية متعلقة بحظر ومنع أسلحة الدمار الشامل النووية فإنها لا تلتزم بها، ولا توجد آلية دولية لمحاسبتها وعقابها، فكل دولة وبخاصة الدول النووية التسع تلهث ليلاً نهاراً وراء زيادة أسلحتها النووية، أو تحديث ترسانتها النووية، أو تطوير وإنتاج أسلحة نووية من الجيل الجديد، فكل دولة مشغولة في نهاية المطاف بتطوير مخزونها من الأسلحة النووية، وعلاوة على هذه الدول التسع، هناك الدول غير النووية التي تحاول منذ سنوات الدخول في هذا النادي المغلق الذي لا يسمح بدخول أعضاء جدد إليه.

فهناك عدة حوادث ومستجدات على الساحة الدولية جعلتني أؤكد بأن السباق على الأسلحة النووية سيستمر ولن يتوقف أبداً، منها إعلانات الدول النووية على تحديث وتطوير أسلحتها النووية النوعية، إضافة إلى التجارب النووية التي نسمع عنها بين الحين والأخر، ومنها أيضاً الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022، والذي أكدت فيه روسيا بأنها ستستخدم السلاح النووي إذا تعرض وتهدد أمنها القومي للخطر. كذلك هناك الصراع بين الصين وكوريا الجنوبية وروسيا من جهة وأمريكا والغرب من جهة أخرى، والذي سيزيد من حالة التوتر، ويؤدي إلى التصعيد النووي من حيث التسليح، والتحديث، والتطوير، فكل دولة تستخدم تفوقها وتطورها في السلاح النووي، عددياً نوعياً كورقة ضغط ترهيب واستغلال وإذلال للدول الأخرى.

أما المؤشرات العملية والواقعية التي تفيد بأن سباق الدول في مجال السلاح النووي لن يتوقف فهي زيادة الإنفاق العسكري بشكلٍ عام، والإنفاق على السلاح النووي بشكلٍ خاص، إضافة إلى الإحصاءات التي تفيد بأن السلاح النووي مازال موجوداً عند الدول النووية ولم يتم التخلص منها، إلا من الأسلحة البالية التي انتهت مدتها، وتمت إحالتها على التقاعد بسبب إنتاج أسلحة أكثر تطوراً وجدوى من الناحية العسكرية.

أما المؤشر الأول فهو الإنفاق على تحديث وتطوير أسلحة نووية، حيث نشرت "الحملة الدولية لإلغاء الأسلحة النووية"( International Campaign to Abolish Nuclear Weapons (ICAN)) تقريراً في يونيو 2022 تحت عنوان: "الإنفاق الدولي على السلاح النووي في عام 2021"(2021 Global Nuclear Weapons Spending). فقد قدَّر التقرير الإنفاق الدولي الإجمالي على السلاح النووي من الدول النووية التسع وهي روسيا، أمريكا، فرنسا، بريطانيا، باكستان، الهند، كوريا الشمالية، الكيان الصهيوني، في عام 2021 بنحو 82.4 بليون دولار، أي أن العالم ينفق قرابة 156841 دولاراً كل دقيقة على السلاح النووي، مقارنة بعام 2020، والذي بلغ 76 بليون دولار. كما قدم التقرير قائمة بحجم إنفاق كل دولة، حيث كانت الولايات المتحدة الأمريكية في المرتبة الأولى بمبلغ 44.2 بليون دولار في 2021، علماً بأن الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما دعا إلى "عالم بدون أسلحة نووية" في 27 مايو 2016 عندما زار الصرح التذكاري لضحايا إلقاء القنبلتين النوويتين على هيروشيما وناجازاكي عام 1945! أما الدولة الثانية في الإنفاق النووي فهي الصين 11.7، والثالثة روسيا 8.6، والرابعة بريطانيا 6.8، ثم فرنسا بمبلغ قرابة 5.9، والهند 3.2، والكيان الصهيوني 1.2، وباكستان 1.1، وأخيراً أنفقت كوريا الشمالية 642 مليون.

وأما المؤشر الثاني فهو الكمية الهائلة التي تمتلكها هذه الدول من الأسلحة النووية، حسب تقديرات "معهد أستوكهولم لأبحاث السلام الدولية"(Stockholm International Peace Research Institute's (SIPRI))، والمنشورة في كتابه السنوي رقم (53) لعام 2022 في 13 يونيو 2022. فهذا الكتاب يفيد بأن العدد الإجمالي للسلاح النووي على مستوى الدول التسع يقدر بنحو 12705 رأساً نووياً حتى يناير 2022، وروسيا تتصدر قائمة هذه الدول، حيث إن لديها 5977، ثم الولايات المتحدة الأمريكية بنحو 5428 رأساً نووياً. وأما في المرتبة الثالثة فهي بريطانيا العظمى 225، وفرنسا 290، والصين 350، وباكستان 165، والهند 160، والكيان الصهيوني 90، وفي المرتبة التاسعة والأخيرة فهي كوريا الشمالية، حيث يبلغ العدد قرابة 20 رأساً نووياً.

وبعد كل هذه المؤشرات حول سباق التسلح النووي الدولي، يأتي نِفاق دول العالم، وبخاصة من الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وبالتحديد أمريكا، وروسيا، والصين، وبريطانيا، وفرنسا. وهذا النفاق له عدة أوجه، منها إعلانات وتعهدات هذه الدول أمام العالم بعدم زيادة ترسانتها النووية ومنع انتشارها، وأن الحرب النووية خاسرة للجميع، مثل البيان المشترك الذي صدر من هذه الدول في الثالث من يناير 2022 تحت عنوان: "منع الحرب النووية وتجنب سباقات التسلح".

وأما الوجه الثاني لنفاق الدول النووية الكبرى فيتمثل في عدم انضمامها للجهود الدولية المتمثلة في المعاهدات الخاصة بحظر ومنع التسلح النووي. فعلى سبيل المثال دخلت معاهدة "حظر الأسلحة النووية" حيز التنفيذ في 22 يناير 2021، ولما بحثتُ في قائمة الدول الموقعة على المعاهدة، وهي 86 دولة، أو المصادقة عليها وهي 62، لم أجد بينها أي من الدول النووية التسع، وهي المعنية أساساً بهذه المعاهدة، وهي التي تشكل خطراً على الأمن والسلم الدوليين، وهي التي بيدها نجاح هذه المعاهدة أو فشلها، وأما الدول التي صادقت وتشارك في الاجتماع الأول فلا ناقة لها ولا جمل في قضية السلاح النووي، ولا تأثير دولي لها من ناحية تهديد البشر والأرض.

 

ولذلك مهما صرخ ودعا الأمين العام للأمم المتحدة إلى منع التسلح النووي، ومهما تم تدشين معاهدات أممية جديدة حول التسلح النووي، فإن السباق لن يتوقف أبداً، بل وأنا على يقين بأن هناك دولاً جديدة قد تدخل ضمن النادي النووي، فالسلاح النووي عند الدول مصدر عزة وكرامة، ومصدر قوة وردع، وترهيب وتخويف للآخرين، وأداة فاعلة للسيطرة والهيمنة على الدول الأخرى.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق